من وجوه الثورة: تميم عبدو.. صرخة طرابلس وهتافها

يارا نحلة

الأربعاء 2019/12/04

إن كان هتاف "الهيلا هيلا هو" هو الأشهر في بيروت ومناطق لبنانية أخرى، فلطرابلس التي أثبتت تميّزها وفرادتها، منذ بداية الثورة، نغمة وموال ثوري آخر، هو هتاف "معلمي معلمي معلمي" المردّد باللكنة الطرابلسية، ليحمل خصوصية معينة لا تتشاركها المناطق الأخرى.

"يا كبير يا طروبلسي"
تقصّد تميم عبدو، مؤلف شعار "معلمي"، أن تكون جميع الهتافات باللهجة الطرابلسية ومصطلحاتها، لتعبّر عن لسان حال الثائر الطرابلسي، الذي تفوق معاناته وحرمانه أزمات سائر اللبنانيين. أما عن السياق التي تستخدم فيه عبارة "معلمي" فيشرح تميم "يقولها المرء حين يريد أن يجامل شخصاً ما وياكل راسه". ومن هنا، يخاطب الهتاف زعامات طرابلس السياسية والطائفية عبر لقب "معلمي"، مرفَقاً بوصفٍ لفداحة الظلم الذي يوقعه هذا الزعيم بأبناء طرابلس. فيقول تارةً "معلمي معلمي معلمي.. أنت فاسد على علمي" وتارةً أخرى "معلمي معلمي معلمي.. عما تمصلي دمي".

في هتاف "معلمي" إعتزاز كبير بالهوية الطرابلسية، تلك التي تمّ تنميطها وتشويهها من قبل وسائل الإعلام، التي ألصقت بها تهمة التطرف والإرهاب. يردّ أهالي طرابلس على هذه السردية بالقول "الله العوفية يعطينا"، وينهون معظم الهتافات بعبارة "يا كبير يا طروبلسي يا كبير". وفي مقابل الأخوية الطرابلسية واللبنانية عموماً التي تعبّر عنها هتافات "معلمي"، فإنها لا تتوانى عن إظهار العدائية والحقد الطبقي إزاء أركان النظام السياسي، ولاسيّما الطرابلسيين منهم، فتتوّعد "بدنا نشيلك ميقاتي" وتلقّبه بالـ"خَرفان". فيما تصف زعيماً آخراً بالخنزير وثالثاً بالمسطول.  

هتافات "معلمي" هي بمجملها مطالب اقتصادية اجتماعية، مقدّمة بقالبٍ ساخر يعرّي إفلاس السلطة ونفاقها. يعدّد هتاف "معلمي" هموم الطرابلسي، كالبطالة التي تنقله من جامعة "القبة" إلى طبخ "الكبة"، والخصخصة التي حرمته من بحره و"فوترتلي فيّاتي". وانطلاقاً من هذا الهم الاقتصادي الذي يحرّك ثورة الطرابلسيين، يتعدّى نشاط تميم في الساحة صياغة الهتافات وتردادها، إلى محاولة بناء اقتصاد بديل وإن على نطاق ساحة النور وحسب.

مطبخ وحركة حبق
فإلى جانب المطبخ اليومي الذي يقيمه تميم بمساعدة والدته في ساحة الإعتصام، والذي يقدّم الطعام للمئات من الطرابلسيين الذين يقصدونه "توفيراً للألف والألفين"، أطلق تميم مع مجموعة من أصدقائه مبادرة من أجل زراعة الساحة تحت إسم "حركة حبق". ويروي تميم "جلبنا شتول  ونكشنا الأرض قرب خيمنا، وسرعان ما بدأ الناس يتهافتون علينا للمساعدة، وبدأ الزرع ينتشر في كل مكان". ومن أجل ضمان استمرارية هذه التجربة، ستقوم حركة حبق بتأمين "مكتبة بذور"، وستخصّص زاوية لأعشاب الطبخ.

هذه المبادرات الاقتصادية، بالرغم من بساطتها، كفيلة بإحداث فرق في حياة المواطنين، خصوصاً حينما تتخذّ طابعاً جماعياً، لا سيّما لجهة نمو الوعي الجماعي بضرورة بناء اقتصاد بديل. هو وعي يتلخّص بأحد الهتافات القائلة "انا بحاجتكن اخواتي لحتى بزّق عليه" (أي على الزعيم). فخطر الجوع أصبح ماثلاً أمام اللبنانيين عموماً، والطرابلسيين بالأخص. وهذا بدليل أن "أسراً بحالها تقصد خيمتنا بشكلٍ يومي لتقتات الطعام". فالدولة، بمافياتها الاقتصادية، تخلّت عن مواطنيها الذين يدركون أنهم ما عادوا يملكون ترف الاعتماد على الدولة، ونظامها الاقتصادي الجائر، ولا حلّ أمامهم سوى بتوليهم زمام الأمور بأنفسهم.

نواة بناء اقتصاد بديل في ساحة طرابلس لا تزال عبارة عن "فوضى منظمة". لكن المؤكّد هو "أننا نريد أن نعمل كجسم واحد لا كأشخاص متفرقين"، حسب تميم، الذي يشير إلى أن "تمويل المطبخ يتمّ بشكلٍ يومي. إذ نجمع المال من شبكة صغيرة من الأصدقاء والمتبرعين ونتبضع للوجبة اليومية، لكننا نسعى إلى تنظيم هذه العملية عبر احتساب التكاليف والاحتياجات عند بداية كل الأسبوع". وإلى جانب مبادرتيّ المطبخ والزراعة، يؤسس تميم اليوم حركة "معلمي" التي تضمّ أطفالاً بسترات زرقاء،غامقة، تهتمّ بالحفاظ على مساحات الاعتصام وتنظيم نشاطات متعلقة بالأطفال.


أن نقول لا، أن نرفض
منذ بضع سنوات، وبعد حراك 2015 بالتحديد، نشر تميم على فايسبوك سلسلة من الفيديوهات الهزلية "المحبطة" تحت عنوانdemotivational videos ، كردّ ساخر على الصيحة المتمثّلة ببثّ رسائل إيجابية ومحفزةmotivational) )، لكن فارغة، على مواقع التواصل الاجتماعي. في المقابل، تحثّ فيديوهات عبدو المشاهدين على عدم فعل شي، حاملةً عناوين من قبيل " فيديو محبط عن كيفية عدم حضور اجتماع الساعة العاشرة صباحاً"، أو "فيديو محبط عن كيفية عدم فرز النفايات في ظل ازمة النفايات هذه". إن الإحباط الذي تعكسه هذه الفيديوهات والذي يحمل بلا شك بعداً سياسي، يفسّره تميم كالآتي "تعبّر هذه الفيديوهات عن إستراتيجيتي وهي: ألا نرضى بفعل شيء ضمن هذا النظام، أن نقول لا، أن نرفض! وهو بالضبط ما نفعله اليوم".

نحو حركة سياسية
إعلان اللبنانيين حال العصيان المدني وتوقفهم، خلال الشهر الأوّل على الأقلّ، عن بيع عملهم لصالح نظام ظالم، لا يقدّر قيمة حياتهم، ناهيك عن قيمة عملهم، يجسّد بحد ذاته لحظة انتفاض صادقة. إنها لحظةً نقلت تميم، كالكثر من شباب جيله، من حال التماهي مع الإحباط إلى حال "تهييج الشارع". لكنه يقرّ بأن لحظة التمرّد الأولى لا بدّ أن يستتبعها الكثير من العمل والتنظيم بغية بناء منظومة جديدة. وهذا يتطلّب بالطبع تطوير رؤية سياسية تندرج ضمنها المطالب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وبما أن كافة الأحزاب السياسية الموجودة حالياً لا تلبّي تطلعات معظم اللبنانيين المنتفضين، ولا تعكس همومهم وقضاياهم، ينوي تميم تأسيس حركة سياسية جديدة مع بعضٍ من رفاقه في طرابلس وهم في صدد بلورة خطابها السياسي.



©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024