تظاهرة عيد العمال: شيوعيون.. وعاملات المنازل!

وليد حسين

الخميس 2019/05/02
كانت التظاهرة التي نظّمها الحزب الشيوعي وقوى الحراك الشعبي في مناسبة عيد العمّال، تظاهرةً شيوعيةً محضة، رغم تعدّد القوى المشاركة فيها، من أحزاب يساريّة "ممانعة" مثل "التنظيم الشعبي الناصري" و"الحزب الديمقراطي الشعبي".. والجبهتين "الشعبية" و"الديمقراطية لتحرير فلسطين"؟؟!! فالأعلام الشيوعية الحمراء، التي رفرفت من المتحف الوطني وصولاً إلى ساحة الشهداء، طغت على أعلام وشعارات تلك القوى، التي بدت مجهريّة في هذا الطيف الشيوعي الحاشد. إذ حضر الشيوعيون أفراداً وعائلات، حتى مع أطفالهم حديثي الولادة، من جميع المناطق اللبنانية للاحتفال بهذا العيد واستعادة لـ"مجد" بات مستحيل المنال.

حضور حاشد
على وقع الأغاني التي تمجّد وحدة "العمال والفلاحين والطلبة" وهتافات "رصّ الصفوف مع العمال"، أقفلت التظاهرة طريق الشام، حيث راح عمّال محطات الوقود والمؤسسات التجارية والمواطنون يلتقطون الصور لهذا المشهد، الذي بدا غير مألوف لهم في منطقتهم، رغم أنّ التظاهرة يفترض أنّها تحاكي حقوقهم، وتطالب بعيش لائق لهم، وترفض استغلالهم، في يوم عيدهم، وفي لحظة إجبارهم على العمل.
مشهد حاشد يصعب تقدير عدد المشاركين فيه، الذين كانوا بالآلاف، تقدمهم أشبال "كشافة الاتحاد"، الذي كان قد ذوى وطواه النسيان منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في مطلع تسعينيات القرن المنصرم. وفي منتصف التظاهرة، خلف مكبّرات الصوت الضخمة، المستأجرة من شركة "أرزوني" (كالعادة)، مشى الصفّ القيادي للقوى المشاركة، توسطهم أمين عام الحزب الشيوعي، حنا غريب، في حين غاب عنه بعض رموز القيادات الشيوعية المعارضة، التي لم نر وجوهها حتى بين المشاركين.
أما مؤخرة التظاهرة فبدت مختلفة نوعاً ومضموناً، حيث كانت هناك مشاركة كبيرة لأنصار "حزب العمّال الكردستاني" و"نقابة العاملات المنزليات" التابعة لـ"الاتحاد الوطني للعمال والمستخدمين في لبنان". فبالزيّ الوطني الكردي والملابس العسكرية التي ارتداها بعض الرجال والنسوة، لإبراز هويتهم المقاتلة، مشى أنصار عبد الله أوجلان حاملين صوره وشعارات تندّد برجب طيب أردوغان، ومطالبينه بالإفراج عن زعيمهم. أما العاملات الأثيوبيات والبنغلادشيات وغيرهنّ من الجنسيّات الآسيويّة، فقد ارتدين كنزات كتب عليها أهم وأبسط مطالبهن الحقوقية "العمل اللائق لعاملات المنازل.. نعم لتوقيع الاتفاقية الدولية 189". وهذا سرى على بعض الرجال العمّال من تلك الجنسيات، فهؤلاء يتعرّضون لعمليات الإتجار بالبشر، إسوة بالعاملات، لكن من دون أن يحظوا بتقارير إعلامية تشرح معاناتهم.

الشعارات
شعارات كثيرة رفعها الشيوعيون في التظاهرة تدعو إلى "وقف مزاريب الهدر والفساد" و"إلغاء التعاقد الوظيفي وحماية رواتب الموظفين ومعاشات المتقاعدين" و"استحداث نظام ضريبي جديد"، و"وضع قانون لضمان الشيخوخة"، وغيرها من الشعارات المطلبيّة المندّدة بفساد السلطة، والمحذرة من الإجراءات التقشفية، التي ستطال العمال والطبقات الشعبية محدودة الدخل والفقراء. شعارات كثيرة ومحقّة تعني جميع اللبنانيين، المنكوبين بسلطة سياسية أفقرتهم وتُمعن في إفقار البلد. لكنّ الخطاب الشيوعي وتموضعه "العضوي" في صفّ أحزاب الممانعة، تجعل هذه الشعارات غير مرئية من جميع اللبنانيين، بمن فيهم الممانعين المنضوين في أحزاب السلطة، أو تلك التي تعتاش على هامشها.

وصولاً ساحة الشهداء 
ما إن وصلت التظاهرة إلى ساحة الشهداء، حتى افترش الشيوعيون الساحة، حيث نصبوا خيماً لعرض الكتب والشعارات وصور والمنتجات الغذائية والأطعمة، ليختتموا يومهم في حفل موسيقي أحياه سامي حواط، في مشهد يحاكي بعض احتفالات اليسار الأوروبي بعيد العمال. أما الكلمات فقد ندّدت بالإجراءات التي تنوي الحكومة المضي بها و"باستباحة المال العام، وإخضاع الدولة، ومصير اللبنانيين إزاء سياسات الصناديق الماليّة الدوليّة وشروطها".
وبعيداً عن اللغو التقليدي والمستهلك المناصر لجميع عمّال العالم "والشعوب المضطهدة المكافحة ضد الامبريالية والصهيونية وأنظمة الخيانة والرجعية"، اعتبر أمين عام الحزب الشيوعي، حنا غريب، إنّ السلطة تقدّم للعمّال في عيدهم "عيدية سوداء" وهي "إقرار مشروع موازنة تقشّفية تضرب فيها حقوق العمال بدلاً من تحقيقها"، وسيقابلها الشيوعي بالدعوة "للوحدة والنضال والصمود من أجل إسقاط هذه السياسات وموازنة الإفقار". وإذ شدّد على أنّ الضرائب المفروضة في الموازنة هي عمليّة نصب غير مسبوقة للأجور والمداخيل، طالب بتعديل النظام الضريبي الجائر، ومكافحة مزاريب الهدر والفساد، وتحميل الذين استفادوا وكدّسوا الأرباح الطائلة تبعات الأزمة، من طريق فرض الضرائب التصاعدية على الأرباح، وإلغاء كل أشكال الإعفاءات الضريبيّة عن حيتان المال.

جمهور شيوعي
سيستمر الشيوعي، كما قال غريب، في الاعتصام الدائم في الشارع، حتى يوم السبت المقبل، وذلك عبر نصب خيم في ساحة رياض الصلح. لكن هذا التصعيد في الشارع من الصعب صرفه في السياسة لتعديل موازين القوى، طالما أنّ الشيوعي لا يريد لحراكه حاضنة شعبية من خارج الجمهور الشيوعي. فغياب ومقاطعة المجموعات المدنيّة والمواطنين العاديّين لهذا اليوم الشيوعي الطويل، جعل التظاهرة عادية وتقليدية، اعتاد الحزب الشيوعي على تنظيم مثلها في هكذا مناسبات، ولن يغيّر في طبيعتها كثرة أو قلّة المشاركين.

هكذا، اختارها المنظمون أن تكون شيوعية صرف في تناقض تام مع الكلام الداعي لتوسعة دائرة المشاركين والانفتاح على جميع مكوّنات المجتمع المدني، والمتضرّرين من السياسات الحكومية. كما لو أنّ الشيوعيّين فضّلوا فلكلورية المناسبة لشدّ العصب الحزبي، على جعلها مناسبة لحشد أكبر عدد من المواطنين، على أعتاب مؤتمرهم لاختيار قيادة جديدة للحزب. وتناسى الشيوعيّون أنّ الأوّل من أيّار هذا العام يتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، لبحث مشروع الموازنة التقشّفية، التي سيتضرّر منها القطاع الخاص قبل غيره من القطاعات، والعمال الفعليّين الذين هم خارج ملاك الدولة ومؤسّساتها. 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024