"انتفاضة" المنية: طائفية الكهرباء والنفايات وأمراض سرطان

جنى الدهيبي

الخميس 2019/08/29

ليست النفايات المتراكمة، هي وحدها التي تشغل بال أقضية الشمال. فبعد أيامٍ من اعتصامات شعبية في المنية وضواحيها، كادت تفجّر الوضع شمالًا، نتيجة التصادم مع الجيش أثناء سعيّه لفكّ الاعتصام من أمام معمل دير عمار الحراري، وسقوط جرحى من الطرفين، دخل الملف مرحلة هدنة نتيجة تسوية "خجولة" مع وزيرة الطاقة ندى البستاني.

الاتفاق مع البستاني
منذ أيام، بدأ أهالي المنية والبداوي ودير عمار تنصيب خيمهم للاعتصام ليلًا ونهارًا أمام المعمل، اعتراضًا على وغضبًا من التقنين القاسي في التيار الكهربائي، وهو ما يعدّ بمثابة نكث وزارة الطاقة بالاتفاق المعقود سابقًا في عهد الوزير جبران باسيل، والذي ينصّ على تأمين التّيار الكهربائي 20 من 24 ساعة، كنوع من "الترضية" للمناطق المتضررة بيئيًا وصحيًا من معمل دير عمار.  

وبعد أن صعّد المعتصمون خطواتهم الاحتجاجية، وأغلقوا أبواب الشركة بخيمهم، ومنعوا العمال والموظفين من دخول إليه في مطلع الأسبوع، كان يوم أمس الأربعاء في 28 آب 2019، حاسمًا، في الاجتماع الطارئ الذي عقد في بيروت بين الوزيرة البستاني ورئيس اتحاد بلدية المنية خالد الدهيبي، ورئيس بلدية البداوي حسان غمراوي. خلص الاجتماع بعد أن أوحت نتائجه بـ "السلبية"، إلى فضّ الاعتصام، بعد التوصل لاتفاق يقضي إلى إعادة التغذية الكهربائية للمناطق المذكورة ابتداءً من 15 أيلول. على الفور، تدخل رئيس فرع مخابرات الشمال العميد كرم مراد، واجتمع مع المعتصمين في البداوي، ثُمّ جرى فتح أوتوستراد البداوي الدولي بالاتجاهين أمام المارة، وقامت الجرافات بإزالة السواتر التربية من أوتوستراد المنية. وفي السياق، يشير الرئيس غمراوي لـ"المدن" أنّ الاجتماع مع الوزيرة لم يُفضِ سوى للقبول بعرض الوزارة التي وعدت إعادة التغذية إلى المنية وضواحيها، "بعد 15 أيلول، إلى الانتهاء من موسم الصيف، فوجدنا أنفسنا أمام خيار تهدئة الشارع والانتظار حتّى منتصف أيلول لترقب آلية تنفيذ الوعد".

لكن، ما هي القصّة الكاملة لتقنين المنية الكهربائي؟
في الواقع، "ما قصم ظهر البعير" في المنية الغاضبة من تقنينها الكهربائي، كان ما نتج عن جلسة مجلس الوزراء يوم الثلثاء في 27 آب، التي عُقدت لمناقشة خطّة وزير البيئة فادي جريصاتي لمعالجة ملف النفايات تحت مسمى "خارطة الطريق 2019 – 2030 لقطاع الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة". وفي هذه الجلسة التي طلب فيها جريصاتي تكليف مجلس الإنماء والإعمار إعداد دفاتر شروط تشغيل المعامل القائمة وتأهيلها، وبناء معامل أخرى للنفايات، طالب أيضًا إعداد دراستي تقييم الأثر البيئي لإنشاء معملي التفكك الحراري، استنادًا إلى دفتر الشروط الموافق عليه بموجب قرار مجلس الوزراء في العام 2017، في موقعين على الساحل هما: الجية ودير عمار،  حتّى تكون على تماسٍ مع معامل توليد الطاقة. هذا الأمر الذي يعدّ في دير عمار والمنية شرًّا كبيرًا، دفع بلدية دير عمار إلى اجتماعٍ فوري، أعلنت على إثره "رفضها رئيسًا وأعضاء رفضًا قاطعًا إنشاء أيّ محرقة أو ما يسمى معمل تفكك حراري أو مطمر في دير عمار، لما له من تأثير سلبي على البيئة والصحة العامة".

الرفض المطلق، ينطلق من عدم ثقة كاملة لدى أهالي المنطقة في الدولة ممثلةً بالحكومة، لاقتناعها بسوء قراراتها بحقّهم. فمنذ سنوات طويلة، لم تتوقف معاناة أهالي المنطقة القاطنين في محيط المعمل الكهربائي، بسبب آثاره، وهي بالغة الخطورة على صحتهم وبيئتهم. ورغم وعود "الدولة" والشركة المشغلة أن يكون معملًا نموذجيًا، إلّا أنّ استخدامه بقي من دون فلاتر، وبأسوأ أنواع الفيول والمازوت مع تسرباتها النفطية إلى قعر البحر.

إزدراء الوضع البيئي الملوث من المعمل في المنطقة، نتج عنه تراكم سنوات من تلف المحاصيل الزراعية وارتفاع نسب حالات مرضى السرطان، لا سيما ضمن نطاق اتحاد بلديات المنية، الذي يضم بلدات عدّة هي: بحنين، مركبتا، المنية، الريحانية، برج اليهودية ودير عمار. ورغم كلّ ما يتحمله السكان من مصائب في صحتهم وبيئتهم وزراعتهم وثروتهم السمكية، من دون تحسين شروط عمل المعمل، جاء نبأ العمل على تشييد معمل آخر للتفكك الحراراي، إضافة إلى الهاجس من إصرار وزارة الطاقة في كلّ فترة على تخفيض تغذية المنطقة بالتيار الكهربائي!

كهرباء 24 / 24
في عهد الوزير جبران باسيل، وبعد مفاوضات كبيرة، جرى التوافق على إعطاء المنية 20 من 24 ساعة كهرباء في المنية، بعدما كانت المنطقة بعد معارك نهر البارد، من العام 2008 حتى العام 2013، لديها كهرباء 24 / 24 من أجل الجيش. وحين تولى باسيل حقيبة الطاقة، عاد تقنين الـ 4 ساعات. في العام 2016، أنشأت فعاليات المنية خيمات اعتصام بعد عودة التقنين، وكان مطلبهم بالكهرباء انطلاقًا من كون المنطقة متضررة صحيًا وبيئيًا من معمل الكهرباء. بقيت المنطقة على هذا الحال، عامًا تلو آخر، يذهب التقنين ثمّ يعود، وكأن الوزارة ليست مقتنعة باعطاء هذا "الامتياز" لمنطقة متضررة من معمل كهربائي!

قبل حوالى الشهر، زارت البستاني منطقة زغرتا، وصرّحت أنّ الوزارة مضطرة إلى زيادة ساعات التقنين بسبب نقص في الفيول. علمًا أنّ هذا التصريح، أصبح "موسميًا" في فترات الاصطياف والأعياد، وفي كلّ مرّة بحجة النقص بالفيول. وحسب معلومات "المدن"، فإنّ تصريح البستاني تزامن مع تعميم في وزارة الطاقة، يقتضي بزيادة ساعات التقنين في المنية وضواحيها، مقابل زيادة ساعات التغذية الكهربائية في مناطق الاصطياف في بشري وإهدن والأرز. ومع عدم تغذية الضنية بالتيار الكهربائي، وهي منطقة اصطياف أيضًا، زادت حمى الغضب لدى أهلها والمعتصمين أيضًا، الذين وجدوا في سلوك الوزارة نزعة "طائفية" ومناطقية. وفيما عاد التقنين القاسي إلى المنية، والذي بلغ حدود 12 ساعة، تزامن أيضًا مع ما نتج عن إغلاق مطمر عدوة، وإسقاط خيار إنشاء مطمر في الفوار، ومن ثمّ في تربل وعدم القبول بعد بمطمر الحواكير، ليكون السؤال: هل كان التقنين نوعًا من الضغط والعقاب في وزارتين يديرهما التيّار السياسي نفسه؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024