تعذيب النساء "الترانس" وقهرهن في مجتمعنا الذكوري

المدن - مجتمع

السبت 2019/09/07
"لا يمكننا إيجاد وظيفة، ليس لدينا منازل، لا يمكننا الحصول على تعليم، نحن مهمش (ات) ومنبوذ (ات) من المجتمع، ليس لدينا حياة ولا علاقات ولا عائلات. نحن مرفوض (ات) من الأسرة والمؤسسات والأصدقاء، ومن بيوتنا".


"أذهب للبحث عن وظيفة وأول ما يطلبونه هو بطاقة هوية. وعندما يرون أن شكلي إمرأة، وبطاقتي تفيد بإنني (ذكر)، لا يقبلون توظيفي. إذا ساعدتنا الحكومة في تصحيح سجلاتنا الرسمية، يمكننا العثور على وظائف كأي شخص آخر، وسنكون بخير".

هذان نموذجان عن شهادات تتصل بالمعوقات والمصاعب التي تواجهها نساء "الترنس"، أي المتحولات جنسياً في لبنان.
عدا عن ذلك، أشد ما يخيفهنّ هو عدم شعورهن بالأمان في الأماكن العامة، وتعرضهنّ للمضايقات من قوى الأمن التي  غالباً ما يعنّفهن عناصرها، وتعتقلنهن وتقوم بتعذيبهن!

من هم - هنّ؟
قبل الحديث عن "الترانس" كفئة مهمشة منبوذة من المجتمع، لا بد من تعريفها بدقة: هم - هن نساء متغيرات، حسب تعريف النوع الاجتماعي، وهنّ مسجلات ذكوراً عند الولادة، ولكنهنّ يعرّفن أنفسهن ويقدمنّ أنفسهن كنساء، وعادة ما تفضِل نساء "الترانس" أن يشار إليهنّ بالضمائر المؤنثة.

أما ما يتعرضن له من قمع وعنف ومخاوف ومصاعب وتهميش وأذى، فقد عرضته وحذرت منظمات "هيومن رايتس ووتش" و"حلم" و"موزاييك"، في تقرير طويل (مئة صفحة) وفيديو عنوانه "ما تعاقبني لأني أنا هيك"، وأطلقا يوم الثلاثاء في فندق ريفييرا ببيروت.
فنساء الترانس في لبنان تواجهن عنفاً وتمييزاً بنيويين وشاملين، في الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما فيها العمل والرعاية الصحية والسكن، فوق العنف الذي يتعرضن له من المجتمع وقوات الأمن والمواطنين العاديين.

شهادات حية
في شهادتها المسجلة، تقول أحدى الفتيات في الفيديو: "الله اختارني أن أكون مختلفة، وهذا أمر يسعدني. لكن الناس لا يدعونك تفرحين بهذا الاختلاف. أخاف جداً من السير في شوارع بيروت. أقول: يا رب وصلني إلى حيث أنا ذاهبة بسلام. المرأة الترانس في لبنان مختفية. عندما تخرجين من البيت إلى سهرة، تخافين أن يراكِ الجيران أو سواهم من الناس.. تخافين أن يضربك سائق التاكسي أو يتحرش بكِ".

وتروي أخرى ما جرى لها في منطقة البقاع، حين أوقفها ضابط أمن وضربها، فتقول: "بدأ بضربي بالحزام. ركلني بجزمته. وهددني بآلة كهربائية. وبسبب حالتي لم أستطع التفوه بكلمة واحدة".
وفي ما يتعلق بالرعاية الطبية، تُحرم الترانس من العلاج بسبب هويتهن الجندرية. فعندما مرضت إحداهن واضطررت إلى الذهاب إلى المستشفى، وكانت تبصق دماً، رفضوا السماح لها بالدخول.

وصمة اجتماعية
ما هي أسباب مخاوف الأسرة والمجتمع من هؤلاء النساء في لبنان؟
تشير رشا يونس، الباحثة في برنامج حقوق "مجتمع الميم" في منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، إلى السبب الأول: الجهل. وتنوه في حديثها إلى "المدن" بأهمية حملات التوعية لتثقيف الناس على هويات الترانس، لافتة إلى أن المشكلة الأساسية هي أن القانون لا يعاقب  من يمارس العنف ضدهنّ. ففي حال تعرض إحداهن لأي نوع من التنمر أو التعنيف، لا تستطيع تقديم شكوى أو الادعاء على المعتدي. ففي لبنان ليس من قوانين تحمي الأشخاص الترانس من التمييز. ومن المفترض أن تكون الدولة مصدر حماية لهنّ، وليس مصدر خوف.

أما السبب الثاني، وهو أساسي حسب يونس، فهو الخوف من الوصمة الإجتماعية والعار الاجتماعي. ففي توثيقها حالات التمييز والاعتداء، وجدت "هيومن رايتس ووتش" أن الأهل يخافون على سمعتهم من الترانس: "شو بدن يقولوا العالم عنا؟!"
والسبب الأخير، هو الثقافة الأبوية في مجتمعنا وهيمنة الذكور على العائلة. فنساء الترانس يشكلنّ تهديداً للمجتمع الأبوي.

مشكلة صحية أم نفسية؟
كُثر يتساءلون عن سبب تحول "الذكور" الى إناث ترانس، وما إذا كانت المشكلة صحية أم نفسية؟
تجيب يونس على هذا السؤال: "المشكلة تختلف من حالة إلى أخرى. وعلى العموم هناك خطأ ما يحصل عند الولادة، ويمكن تصحيحه. وليس بالضرورة أن جميعهنّ مصابات باضطراب هرموني، بل هناك أسباب أخرى".

ويُظهر التقرير - شاركت فيه 50 امرأة ترانس يقمن في لبنان بشهاداتهن، ومنهن 24 لبنانية، و25  لاجئة وطالبة لجوء من دول عربية أخرى، وواحدة عديمة الجنسية - أن التمييز الذي تواجهه نساء الترانس يبدأ في المنزل. وتحدثت النساء اللواتي قُوبلن عن حالات عنف أسري، بما فيها الاعتداء الجسدي والجنسي، والحبس في غرفة فترات طويلة، والحرمان من الطعام والماء. وهناك حالات إجبار الترانس على مغادرة منازلهن. واللاجئات وطالبات اللجوء أُجبرن على مغادرة بلدانهن. والجميع أشاروا إلى عدم وجود ملاجئ توفر السكن الطارئ لنساء الترانس، ما يُجبرهن على مواجهة سوق الإسكان اللبناني غير الرسمي بمفردهن، وهو مكلف وتمييزي غالباً. ذكرت النساء تعرضهن للتمييز من مالكي العقارات، وزملاء السكن والجيران، إضافة إلى قيام رجال الشرطة بإرغامهم على  الإخلاء القسري بسبب هويتهن الجندرية.

ماذا عن القانون؟
لا يجرّم القانون اللبناني تغيير النوع الاجتماعي، لكن المادة 534 من قانون العقوبات، والتي تُجرّم "كل مجامعة على خلاف الطبيعة"، طُبقت بانتظام ضد نساء الترانس. ويُعتقل الأشخاص الترانس بتهم مثل "التعرض للأخلاق والآداب العامة" و"الحض على الفجور"، والأنكى، تُوضع النساء الترانس المحتجزات بموجب هذه القوانين في زنازين الرجال ويكرهن على الاعتراف بـ"جرائم" جنسية.

وانتهى التقرير بتوصيات أبرزها إلى مجلس النواب اللبناني: إصدار تشريع شامل لمكافحة التمييز يحظر التمييز على أساس الهوية الجندرية والتوجه الجنسي، ويتضمن تدابير فعالة لتحديد ومعالجة مثل هذا التمييز. وإصدار تشريعات تسمح بتغيير خانتي الاسم والنوع الاجتماعي (أو "الجنس") من خلال إجراء إداري بسيط يعتمد على الإعلان الذاتي. وإلغاء المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني، التي تُجرّم "كل مجامعة على خلاف الطبيعة".
وتعديل المادة 521 من قانون العقوبات اللبناني لتشمل النساء الترانس والتأكد من عدم محاكمتهن تحت بند "التنكر بزي امرأة لدخول أماكن خاصة بالنساء".

أما في ما يتعلق بالنيابة العامة فشددت التوصيات على مقاضاة عناصر وضباط الأمن الذين ينتهكون القوانين المتعلقة بالمراقبة، والتفتيش التعسفي، والانتهاكات غير القانونية للخصوصية. وضمان النظر في جميع شكاوى التعذيب في المحاكم المدنية المختصة. والتعامل السريع مع الشكاوى المقدمة ضد قوات الأمن.

وطلبت التوصيات من وزارة العمل تقديم مشروع قانون معدل إلى مجلس النواب، يتضمن الحماية ضد التمييز في العمل على أساس الهوية الجندرية والتوجه الجنسي. وإصدار تعميم لإعلام جميع أصحاب العمل أن القانون سوف يعاقب على التمييز ضد الأشخاص الترانس في العمل.

ومن قوى الأمن والجيش طلبت التوصيات الكف عن توقيف واحتجاز النساء الترانس على أساس هويتهن الجندرية. وحماية حق الأقليات الجنسية والجندرية في الإبلاغ عن الجرائم من دون التعرض لخطر الاعتقال. واحترام حقوق وهويات الأشخاص الترانس على نقاط التفتيش وفي مراكز الشرطة.

وطلبت التوصيات من الحكومة اللبنانية تخصيص ميزانية كافية للهيئة الوطنية لحقوق الإنسان ولجنة الوقاية من التعذيب. والالتزام بالمادة 22 من اتفاقية مناهضة التعذيب. وتوفير الدعم للملاجئ المؤقتة الطارئة للنساء الترانس في جميع أنحاء لبنان. و تمويل مبادرات للترانس ومشروعات للمجتمع المدني التي تركز على تقديم الخدمات لهن. والحصول على الخدمات الطبية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024