حاصبيا المنتفضة ضد تقديس زعمائها.. وحكاية اعتقال الناشطين

حسين سعد

الجمعة 2019/11/29

قد تكون يوميات التحرك الاحتجاجي المحلي في حاصبيا - وهو بدأ بزخم في المدينة المحلية في أقصى جنوب لبنان الشرقي ومنطقتها - قد أضجرت الشاب الحاصباني راغب الشوفي، أو أشعرته بالرتابة. لذا "غرّد" على طريقته خارج سربه، فابتاع عبوة طلاء سوداء (سبراي) وراح يخطّ تحت صور زعماء المنطقة في السلطة - وليد جنبلاط، طلال ارسلان، وأنور الخليل - عبارات ضدهم، ويوقعها بـ "ثورة 17 تشرين". وهو في جولته شبه "الغرافيتية" هذه اصطحب صديقه وئام شبلي لتغطية هذا الحدث وتصويره وتوثيقه إعلامياً.



مخابرات الجيش وموالي الزعماء
مبادرة راغب الشوفي هذه - وهو المساهم النشيط مع المئات من شباب وشابات المنطقة في التحركات الاحتجاجية في حاصبيا وجوارها: سوق الخان، راشيا الفخار، كفرحمام، كفرشوبا، وامتداداً إلى شبعا - كان يحسبها قراراً فردياً لا يشمل المنتفضين الذين نصبوا خيمهم في منطقة سوق الخان، وفي باحة السرايا الشهابية الأثرية والتاريخية في حاصبيا، قبل جولتهم في أيام سابقة على الدوائر الحكومية، وعملوا على إقفالها.

اعتقلت مخابرات الجيش الشوفي وشبلي، فباتا ليلتهما في مركز الشرطة العسكرية التابعة للجيش اللبناني في مرجعيون، بعدما تعذر نقلهما إلى مخفر قوى الأمن الداخلي في حاصبيا. فتجمع المنتفضون أمام المخفر، مطالبين بإطلاق سراحهما. وقد حصل ذلك في العاشرة من صباح الخميس. وكانت معنويات الشابين مرتفعة ويمتلكان مزيداً من الإصرار على مواصلة الانتفاضة.

يروي الشوفي لـ"المدن" أن شباناً من مناصري الزعماء الثلاثة، هم من حاصروه ووأنزلوا به ضرباً مبرحاً، فيما لم يرفع يده في وجههم، مردداً: سلمية، سلمية. فردوا مهددين أنهم سوف يحطمون عظامه، ويزيلون خيمة الاعتصام من أمام السرايا الشهابية. وعندما حاولوا تنفيذ تهديدهم، تصدى لهم شباب الخيمة.

وأضاف الشوفي أن دورية من مخابرات الجيش اللبناني حضرت إلى حيث اعتدى عليه موالي الزعماء، فاعتقلوه ونقلوه إلى مركز مخابرات حاصبيا. واقتصر التحقيق معه عن هويته الشخصية، ودوافعه لكتابة الشعارات. ولم يتعرض لأي إساءة أو ضرب من الجيش.

ويقول الشوفي أنه لم يشوه صور الزعماء المسؤولين عن الفساد (كلن يعني كلن). ويرى أن ما قام به لا يتجاوز تدوينه عبارة في أسافل صورهم، معتبراً أن هذا يعبّر عن الحقيقة، وعن حقه في الاعتراض على الواقع الذي نعيشه.

ضد تقديس الزعماء
يلفح مدينة حاصبيا هواء جبل الشيخ، وتسيّج بيوتها وبيوت كفرشوبا وكفرحمام وراشيا الفخار كروم الزيتون، التي كانت تتصل بمزارع زيتون مزارع شبعا المحتلة. ولا تقل معاناة حاصبيا الاقتصادية والمعيشية عن باقي المناطق اللبنانية المنتفضة منذ 17 تشرين الأول. والضائقة تشمل شبان حاصبيا وسواهم في البلدات المجاورة. وهذا ما إلى قيامهم بتحركات مشتركة.

وتؤكد سناء بدوي، التي توازي بين عملها في صالون تزيين ومواكبة الأنشطة المختلفة للانتفاضة، أن ثورة 17 تشرين السلمية، هي ضد القمع والفساد والطبقة الحاكمة. ولكن للأسف أن الناس لم يخرجوا جميعاً من عباءة الحزبية، لأنهم يقدسون زعماءهم، رغم أنهم لا يعيشون حياة كريمة. وهذا ما تعتبره سناء "قمة الجهل، إذ لم نر زعيماً يتقاسم ثروته ولقمة العيش مع شعبه".

وهي ترى أن انتفاضة أبناء المنطقة انطلقت من خيمة سوق الخان التقليدي القديم والتراثي، والذي يجتمع فيها أبناء المنطقة. ثم انتقلت الخيمة إلى ساحة السرايا في حاصبيا، للوصول إليها بسهولة. وقالت: "نحن لسنا مع قطع الطرق وإقفال المدارس. ودائما نجري حوارات ثقافية واجتماعية مع الشبان لينضج وعيهم. لأن ثورتنا سلمية تشدد على الوعي وتوحيد الشعارات ضد كل الفاسدين".

وأكد الناشط نجيب سمور أن بداية انتفاضة حاصبيا كانت من مثلث سوق الخان، بمشاركة المحرومين من الخدمات ومقومات الصمود. فالدولة لم تضع خطة تنموية بعد التحرير في العام 2000، لتثبيت أبناء المنطقة في بلداتهم وقراهم. وما حصل أن كثيرين تركوا المنطقة إلى بيروت وسواها، نظراً لغياب فرص العمل ومقومات العيش المطلوبة في حدها الأدنى .

وأبناء حاصبيا ومنطقتها شاركوا في التحركات منذ 17 تشرين الأول الماضي، وحتى اليوم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024