هبة شرف الدين تتحدى: جراحة الدماغ والأعصاب

هدى حبيش

الثلاثاء 2018/06/12
قد تكون بعض نجاحات الرجال إنجازات إذا حقّقتها النساء. فالعبء عليهن مضاعف، عبء الثقافة والمجتمع، اللذين يبنيان لهن أدواراً أو يرسمان صوراً نمطية يحاكمهن على أساسها. فكيف للمرأة "العاطفية، المترددة، الخائفة أو الأقل ذكاءً" أن تتولى دفّة القيادة؟ وماذا إذا كانت حاملاً أيضاً؟ فذلك يؤدي إلى "تراجع كفاءتها بشكل كبير". من أجل ذلك، تشجع كثير من الأمهات بناتهن على اختيار الطريق الأسهل، أو الذي يتناسب مع زواجهن، المأمول، وتربية الأطفال والاهتمام بشؤون الأسرة والمنزل. في هذه البيئة، شقّت الدكتورة هبة شرف الدين (31 عاماً) طريقها لتكون من أوائل طبيبات جرَّاحة الأعصاب والدماغ من النساء اللبنانيات، في لبنان والخارج. وقد تخرجت من الجامعة الأميركية في بيروت منذ أيام قليلة.


استطاعت الطبيبة أن تكسر الصورة النمطية التي من شأنها أن تحبط المرأة مرتين. فهي اختارت مجالاً لم تختره فتاة قبلها وأثبتت كفاءتها فيه. إذ كانت رئيسة الأطباء المتمرنين في قسم جراحة الأعصاب والدماغ في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت لسنتين متتاليتين، وتمكّنت في الوقت نفسه من تأسيس أسرة تتألف من زوجها وابنها ذي الشهور الستة. رغم ذلك، تواجه الدكتورة هبة مواقف تضحكها من المرضى الذين يشككون في قدراتها، لمجرد أنها امرأة. "فهل يوجد عاقل يضع رأسه بين يدي امرأة"، تقول هبة ضاحكة في حديث إلى "المدن".

تتجنب النساء هذا التخصص في الطب لما يتطلبه من سنوات دراسة طويلة تصل إلى 14 سنة متواصلة، ولصعوبته وتعقيده نظراً إلى أنه يتعاطى بدراسة وإجراء العمليات لأكثر أعضاء الجسم تعقيداً وأهمية، أي الدماغ. بالإضافة إلى نظام العمل الصعب الذي يفرضه، خصوصاً أنه يتطلب من الطبيب أن يكون موجوداً في أي وقت نظراً لصعوبة وضع المرضى. يضيف رئيس الجمعية اللبنانية لجراحة الدماغ والأعصاب الدكتور خالد أبو خالد، في حديث إلى "المدن"، أن "الضائقة الاقتصادية تضع على النساء عبء تحمل تكاليف الحياة مع أزواجهن. وهذا التخصص يطيل مسيرتهن التعليمية على حساب مسيرتهن المهنية".

لكن هبة، بالإضافة إلى إصرارها وحبها التحديات، حظيت بوالدٍ داعمٍ لها ومؤمن بالعلم وأهمية تحقيق الأحلام على صعوبتها، للفتاة كما الشاب. فشجعها على المضي في هذا التخصص الذي اختارته لانبهارها بعمل الدماغ وتعقيده ولما له من تأثير على صحة الإنسان النفسية والجسدية. وتتشارك هبة اليوم مع زوج متعاون ومتفهم. وهو فخور بها ويشجعها على تجاوز كل ما قد تراه صعباً. "أتفهم عمل هبة بشكل كبير. فأنا أعمل في القسم الاداري لأحد المستشفيات الخاصة وأرى نظام حياة وعمل الأطباء كل يوم. وبينما كانت هبة تدرس وتستعد للتخرج من هذا الاختصاص كنت أحضر بدوري للدكتوراه. لذا، أقدر انشغالاتها"، وفق ما يقول لـ"المدن".

وإذا كانت هبة المرأة الأولى التي تخرجت من لبنان في مجال جراحة الدماغ والأعصاب، فإن الطبيبة سمية أبو جودة على الطريق نفسه، وستتخرج قريباً بعد إتمام تخصصها في فرنسا، وفق أبو خالد، المسرور جداً بدخول النساء هذا التخصص، ذاكراً فخره بزمالة طبيبتين في هذا المجال من العالم العربي، هما "البروفسير سعاد بختي رئيسة الجمعية الجزائرية لجراحة الأعصاب، خصوصاً بعدما اكتشفت أن الجزائر فيها أعلى نسبة جراحات أعصاب ودماغ. إذ يبلغ عددهن 220 جراحة أعصاب من أصل 400 جراح. وصديقتي الثانية ناجية العبادي هي رئيس الجمعية المغربية لجراحة الأعصاب وأنا أفتخر بصداقتهما".

صحيح أن هبة حقّقت حلمها الأكبر، لكن العمل الجاد لم ينته. فهي ستسافر لمدة سنة إلى مونتريال في كندا للتدرب في أحد أهم المراكز الطبية، حيث ستتعرض إلى كثير من العمليات وتكسب خبرة تمكنها من العمل في أهم المستشفيات في لبنان. وتحب هبة أن تتخصص بالجراحة الوظيفية للدماغ، أي العمليات التي تعالج الأمراض المعقدة، مثل مرض الشلل الرعاش (Parkinson disease) أو الصرع (epilepsy)، التي تتخصص نسبة قليلة جداً من الأطباء فيها. لكنها ليست متأكدة من ذلك بعد.

وفي الوقت نفسه تعد لافتتاح عيادتها الخاصة في منطقتها عاليه بحماسة كبيرة لتبدأ خدمة أهالي منطقتها وبلدها. وهي أحد الأسباب التي دفعتها إلى اختيار هذا التخصص، كما تقول. لذلك، تود هبة البقاء في لبنان لتحقيق الهدف الذي من أجله درست واجتهدت.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024