بؤس الجامعة اللبنانية وعجز طلابها عن سداد رسوم التسجيل

فاطمة حيدر

الجمعة 2020/01/31
تتمادى رئاسة الجامعة اللبنانية - وهي صرح أكاديمي تعليمي شبه مجانيّ - في تغاضيها عن قضايا الطلاب، كحالها في ملفات كثيرة، إدارية ومالية، لطالما ضجّ بها الإعلام.

والجديد بيان أصدرته الجامعة قلّل من شأن تحرّك طلابي مستمر منذ شهر تقريباً، غايته إعفاء الطلاب غير القادرين من دفع رسوم التسجيل، المتراوحة ما بين 500 ألف ليرة لطلاب البكلوريوس ومليون ليرة لطلاب الماجستير. اكتفى البيان بتذكير الطلاب بأن الجامعة أنشأت صندوقاً للدعم يُعلن عنه في 31 كانون الثاني الجاري، علماً أن هذا الموعد يتزامن مع التاريخ النهائي للتسجيل. فهل تكون هذه المسألة القشة التي تقصم ظهر جيل يعاني على المستويات المعيشية كلها؟

فسادٌ متقادم وقمع
الفساد ليس جديداً في الجامعة اللبنانية. فهي ككل مؤسسات القطاع العام تعشعش فيها الزبائنية والمحاصصة وسيطرة الأحزاب التي وصلت إلى الإدارات والفروع واللجان والتوظيف والتعاقد والمنح والسكن الجامعي.. وإلى القضية الغريبة التي كان رفعها رئيس الجامعة الدكتور فؤاد أيوب أمام القضاء ضدّ وسائل الإعلام، محاولاً منعها من التعرض له، أو ذكر اسمه في أي ملف يخصّ الجامعة!

وإذا كان القضاء انتصر للمهابة الأكاديمية ولحرية الصحافة، برده دعوى أيوب، فإن الأخير عاد ورفع قضية ضدّ أحد أبرز أكاديميي الجامعة والصوت الصارخ دفاعاً عنها، العضو السابق في رابطة الاساتذة، الدكتور عصام خليفة، ليعيد نقاش الفساد إلى المربع الأول.

وما يجري جعل من الجامعة مرآة للدويلات داخل الدولة. وهي تعكس كل تناقضات البلاد السياسية والاجتماعية والطائفية. وهذا يكشفه شذوذ إدارتها، واستنسابيتها وتخطيها القوانين في مباريات دخول كليات محددة بأعداد تُحتسب طائفياً على الورقة والقلم.

مصير 800 طالب
في قضية الرسوم، بدا بيان الجامعة ضعيفاً في الشكل والمضمون. فالمطالبات بإعفاء الطالب من التسجيل قوبل ببيان مقتضب يشير إلى أن الجامعة أنشأت صندوقاً موقتًا "لدعم الطلاب غير القادرين على تسديد رسوم التسجيل الجامعية للعام 2019 - 2020، بسبب عدم توفر الإمكانات المادية لدى الجامعة". وبالتوازي مع البيان تشكلت لجنة من العمداء لمتابعة الموضوع.

تواصلت "المدن" مع المُكلف رئاسة الصندوق، العميد فواز العمر، فأكد أن "قيمة التبرعات لم تصل إلى المبلغ المطلوب لتسجيل الطلاب جميعاً، أولئك الذين ملأوا الاستمارة، وهم حوالى 800 طالب. لكننا نأمل أن يكتمل المبلغ غداً" (أي اليوم في 30 كانون الأول). فهل يؤمن المبلغ بقدرة عصاً سحرية، ومن أين؟ يجيب المكلف: "أتحفظ عن التفاصيل ولكننا موعودون".

عن الصندوق وظروف نشأته وعمله، يشير العمر إلى أنه أنشئ بعد التحركات الثورية التي أضاءت على الأزمة الاقتصادية والمالية. وهو من المبادرات التي تقوم بها الجامعات عامة، لكنه أُنشئ بعد الزيارة التي قام بها وفد من طلاب الشمال إلى رئيس الجامعة اللبنانية. الصندوق عبارة عن استمارة الكترونية وورقية بالتعاون مع معهد العلوم الإجتماعية. وهو تحت إشراف 4 عمداء هم: فواز العمر (المكلّف رئاسته)، مارلين حيدر، سليم مقدسي، وحنا معلوف. أما عن كيفية عمل الصندوق، فيشير المكلف إلى قاعدة أساسية: "الأولوية هي للأكثر عوزاً". من حيث المبدأ في قاموس الجامعة، الأكثر فقراً وأصحاب الأولوية هم: من لديه إعاقة أو يعاني من مرض خطير، من فقد وظيفته وبات من دون عمل يوفر له دخلاً للتسجيل، والطلاب القدامى الذين لم يتبقَ لديهم إلا مادة أو مادتين للتخرج. ويقول العميد العمر أنهم بدأوا بتصنيف الملفات مطلع كانون الثاني الجاري، وتصدر النتائج خلال أيام.

وهل من نية لتأجيل انتهاء التسجيل لأنه يتقدم على موعد صدور تقرير "الصندوق السحري"؟. تحفظ العميد عن الإجابة، مكتفياً بالقول: "هذا القرار يعود الى رئيس الجامعة".

جهات ممولة
من أين تأتي أموال الصندوق؟ تنقسم جهات التبرع حسب التقرير المنتظر إلى 3 أقسام: أساتذة، مدراء في الكليات، جمعيات، وبعض الشخصيات من خريجي ومحبي الجامعة. أي أنها تبرعات داخلية.

إذاً، لا مال كافياً بعد ولا تأجيل للتسجيل. أنه التخبط واللغط في وقت يعيش الطالب أسوأ أيامه وأكثرها ضياعاً: بين الخوف من البطالة ورمي الشهادة على حائط البيت، وبين ضرورة إكمال السنة في ظروف مادية متعثرة. وماذا عن أحقية وقانونية الإعفاء من الرسوم، بحسب المادة 34 من النظام الداخلي للجامعة اللبنانية؟!

أسئلة عدة يطرحها الطالب عن كيفية تسيير الشؤون الإدارية في الجامعة. ولكن النقطة الأبرز هي "سر" امتناع رئيس الجامعة عن إرسال كتاب إلى وزارة التربية يطلب فيه إعفاء المستحقين من تسديد الرسوم، بدلاً عن جمع التبرعات؟ يجيب العميد العمر: "سألنا مسؤولين في وزارة المالية إعفاء الطلاب من بعض الرسوم، فلم نحصل على جواب. نحن كجامعة لا صفة قانونية لنا لإلغاء الرسوم المالية. هل يحق لنا مراسلة وزير التربية، في ظروف استثنائية في ظل حكومة تصريف أعمال؟"، يسأل العميد من دون تقديم إجابة.

نقابة طلابية
يرفض تكتل طلاب الجامعة بيان الإدارة: "علم.. حرية.. عدالة اجتماعية.. هذه جامعة وليست جمعية! مجانية التعليم حق وليس صندوق تبرعات". هذا ما يردده معظمهم.

تكون التكتل بدايةً من 30 طالباً، ساندوا حراك الأساتذة في الحصول على حقوقهم في التثبيت والضمان وبدل النقل، ثم ما لبث أن تحول كياناً لديه تمثيل في فروع الجامعة. "إنه نقابة طلابية لا تتبع أي حزب"، يؤكد عضو التكتل رامي ناصر الدين. وكان للتكتل دور بارز في الانتفاضة تحت عنوان "الطلاب نبض الشارع"، رفضا للسياسات الاقتصادية والاجتماعية، ومن أجل الحقوق الطلابية. وفي ظل هذه الأوضاع المعيشية المزرية طرح التكتل إشكالية هامة: في ظل وجود 1200 طالب غير قادرين على دفع رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية، نطالب بحق التعليم المجاني.

في تعليقه على البيان، يرفض التكتل سياسة "الأكثر عوزاً"، ويحذّر من أن الصندوق سوف يتحول "لعبة طائفية كالعادة". ويسأل ناصر الدين: "من يقرر من هو الأحق في الحصول على المساعدة، وعلى أي أساس تجري هذا الأمور؟". ويتابع: "المشاكل الأساسية في الجامعة، هي غياب الدور السياسي للطالب: لا دور له في المجتمع، الانتخابات تجري بطريقة معلبة. والجامعة تفتقر إلى الحد الأدنى من الظروف الملائمة للتعليم. فالسقف في كلية الزراعة يكاد يقع على الطلاب، والتجهيزات المخبرية للأبحاث شبه غائبة".

عدم قدرة عدد كبير من الطلاب على دفع رسوم التسجيل في جامعة شبه مجانية، مؤشر آخر على انحدار الوضع المعيشي والحياتي إلى ما دون خط الفقر. أمام الواقع الجديد يبدو الحديث عن صندوق دعم تفصيلاً ساذجاً، لأن عدداً صغيراً جداً يستفيد منه. والحل الوحيد بإعفاء الطلاب من الرسوم. وهذا إجراء قانوني بحسب المادة 34 من النظام الداخلي للجامعة اللبنانية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024