بلدية المنية قيد الانحلال: العائلية تتغلب على السياسة

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/06/28

ما حدث يوم الخميس في قضاء المنية خطف الأنظار في الشمال. فجلسة طرح الثقة برئيس بلديتها ظافر زريقة لم تُعقد، ولم تمضِ على خير، بفعل حدثٍ مفاجئ تمثّل بالاستقالات الجماعيّة التي قدّمها تسعة أعضاءٍ يدورون في فلك تيّار المستقبل وهم: عماد مطر، علي محيش، مصطفى الدهيبي، زين الماروق، مصطفى علم الدين، خليل قليمة، محمد المصري، أنور الغزاوي وعمر شميط.

هذه الجلسة "غير المعقودة"، التي كان متوقعًا أن تشهد مبارزات حامية ذات طابع سياسي صرف، أقرب لـ التشّفي" مما حصل في المنية أثناء الانتخابات النيابية في العام 2018، دارت معركتها التي أخذت طابعًا عائليًا وعشائريًا، بين مجموعةٍ من الأعضاء المحسوبين على النائب السابق كاظم الخير، ومجموعة أخرى محسوبة على تيّار المستقبل.

نقض التفاهم
يوم الخميس في 27 حزيران 2019، كان مقررًا أن تنعقد جلسة طرح الثقة في بلدية المنية، وهو الموعد "المنتظر" لدى بلديات لبنان، بعد مرور ثلاث سنوات على انتخابها في العام 2016. في ذلك الوقت، ونتيجة تفاهمات وحسابات سياسية تختلف عن الوضع "السياسي" الراهن، جرى التوافق عشية الانتخابات البلدية برعاية  "المستقبل" مع الخير، الذي كان متفاهماً معه في حينها، أن  يتولى رئيس البلدية الحالي ظافر زريقة مع رئيس اتحاد بلديات المنية عماد مطر رئاسة بلدية المنية بـ"المداورة" لفترة ثلاث سنوات. ومع قدوم موعد "الوفاء" بالاتفاق، رفض زريقة التنحي لصالح مطر، وأصرّ على استكمال ولايته لمدّة ست سنوات، موعزًا الأمر مع فريقه الداعم من أعضاء البلدية والخير، أنّ الوضع السياسي تبدّل بعد وقوع "الطلاق" الرسمي بين الخير والمستقبل.

إصرار زريقة على استكمال ولايته بدعم تسعة أعضاء إلى جانبه، قابله الأعضاء الرافضين لبقائه بتقديم استقالتهم قبل موعد عقد الجلسة، لدى محافظ الشمال القاضي رمزي نهرا، الذي سارع إلى قبولها. وهذه الاستقالات الجماعية، وضعت البلدية أمام سؤالٍ مصيري حول شرعيتها، وإن كانت فقدتها وأصبحت بحكم المنحلة، بانتظار القرار الرسمي المتوقع صدوره في شأنها من قبل وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن، في اليومين المقبلين.

وللتذكير، فإنّ بلدية المنية التي كانت من 21 عضوًا، بقي منها 19 عضوًا فقط. فلدى انتخابها في العام 2016، نتيجة تنافس لائحتين، واحدة لـ "المستقبل" (مع الخير) فازت بـ 19 مقعدًا، وأخرى كان يرأسها النائب الحالي عثمان علم الدين فازت بمقعدين، تمّ على إثرها إقالة العضو الفائز من لائحة المستقبل نبراس علم الدين، إلتزامًا بالمادة 28 من قانون البلديات التي تنصّ أنّه في حال انتخاب اثنين تربطهم صلة دمّ وقرابة عائلية، ولم يستقل أحدهما، فـ"على القائمقام أن يقيل أحدثهما سنًا، وإذا تعادلا في السن يُقال أحدهما بالقرعة في أول اجتماع يعقده المجلس البلدي"، ولدى ترشح النائب علم الدين في انتخابات 2018، قدّم استقالته من المجلس البلدي، إلتزامًا بالقانون أيضًا. إذن، وبعد الاستقالات الجماعية، لم يبقَ من أصل 21 عضوًا سوى 10 أعضاء، ما زالوا يصرون على شرعية البلدية، فيما هي في واقع الأمر فقدت أكثر من نصف أعضائها منذ انتخابها حتّى يومنا هذا.

حروب علنيّة
فور تقديم الأعضاء لاستقالتهم تضامنًا مع مطر، واستنكارًا لما اعتبروه نكثًا بالوعد، اشتعلت حرب الكلمات والبيانات المضادة بين الفريقين. من جهتهم، أصدر الأعضاء المستقيلين بيانًا أرفقوه بشعار "نكشف لأهلنا في المنية بعضًا من الخفايا التي جرت أحداثها عشية الاستحقاق الحالي"، معتبرين أنّه جرى النكث بالعهود والوعود والمواثيق، التي سبق أن وُثّقت بالصوت والصورة، وأنه قد "مورست على بعض الأعضاء أساليب التهديد والترهيب، وحجز الحريات وشراء الضمائر، وممارسات ميليشيوية استخبارية فتنوية تعوّدت عليها بعض الجهات منذ زمن بعيد. وهذا السبب، يربطه الأعضاء المستقيلون بامتناع العضو رانية ريمي الحواط على تقديم استقالتها، علمًا أنّها من فريق مطر، إلّا أنّ والدها وليد ريمي، وفقهم، هو داعم في المنية لكاظم الخير، واتهموه بالضغط عليها ومن ثمّ بإقفال المنزل الذي تقيم فيه منعًا لدخولهم.

في المقابل، رأى كاظم الخير في اجتماعٍ حاشد عقده مع رئيس البلدية زريقة والأعضاء غير المستقيلين وبعض الداعمين، فور إلغاء موعد طرح الثقة، أنّ هذا اليوم، أيّ الخميس، هو تاريخي في حياة المنية السياسية، معتبرًا أن عجلة تحريك الخيارات قد انطلقت، بين واقعٍ مأمور وواقع أحرار. ودعا أهل المنية إلى تحرير ضمائرهم، وأن يقفوا وقفة عزّ في وجه المشاريع المشبوهة المتعلقة بالنفايات، والتي انفجرت إثر إغلاق مطمر عدوة. فـ"منذ ثلاث سنوات قلنا أنّهم يريدون أن يغلقوا مطمر عدوة حتى نختنق بالنفايات، وهي أزمة مفتعلة في وجه غير الراضخين لسلطة المال، وهناك مؤامرة كبيرة على أهل المنية تفتعلعها السلطة الفاسدة". وقال: "لقد اجتمعنا مع رئيس الاتحاد مطر والرئيس زريقة، وسعينا أن يكون هناك توافقًا، ولم نستطع التوصل إلى نتيجة، وكنت متعهدًا أن لا أتدخل في الشأن البلدي إلّا إذا كان هناك تدخل سياسي". وفيما يخصّ أزمة النفايات، أشار الخير أنّه سبق أن تواصل مع مطر لإيجاد حلٍّ جذري، لكنّ الأخير طلب استمهاله، و"حتّى الآن لم يصدر عنه أيّ موقفٍ علني". حينها، "عرفنا أنّ الأمر مسيس وأنّهم يريدون أن يأخذونا لأمر واقع".

في الجهة المقابلة، تعتبر أوساط المستقبل أنّ الخير يستغلّ أزمة النفايات بطريقةٍ شعبوية غير حقيقية لأهدافه الشخصية، وأنّه يخاطب أبناء المنية غرائزياً من خلال التحريض. وتشير الأوساط المحلية لـ"المدن" أنّ توافقه مع زريقة هو نوع من تقارب المصالح، تحضيرًا للانتخابات النيابية في العام 2022 التي سيشرف عليها المجلس الحالي. وتعتبر الأوساط أنّ ما يفعله الخير هو "أكبر فتنة وخسارة له"، وأنّ استقالة الأعضاء "كانت ردًا على ضرب الميثاق المتفق عليه في سابقةٍ خطيرة تحدث في بلدة مثل المنية"، وتؤكد الأوساط أنّ زريقة لم يستجب لكل المشاريع التنموية المقدمة للمنية من أجل تنفيذها، وأنّه استمر مع فريقه في تجييش أهالي البلدة. أمّا تمسك بعض الأعضاء في بقاء زريقة، فتربطه الأوساط بعلاقته معهم القائمة على تسهيل "طلباتهم وأمورهم الشخصية التي يفرضوها عليه".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024