فتنة "مدارس الليسيه": تطرد 178 مدرساً لبنانياً وتستثني الفرنسيين

وليد حسين

الأحد 2020/06/21

أكثر من 178 أستاذاً في مدارس البعثة الفرنسية سيجدون نفسهم في الطريق وبلا عمل الأسبوع المقبل. ففي الأسبوع المنصرم أبلغت إدارة مدارس الليسيه في كل من بيروت ونهر إبراهيم وطرابلس والنبطية، مجموعة من أساتذتها الاستغناء عن خدماتهم، وحضّر محامو المدرسة عقود اتفاق لصرفهم. على أن يبدأ الأساتذة بتوقيعها بدءاً من يوم غد الإثنين 22 حزيران الجاري.

استفراد الأساتذة لصرفهم
لا يمكن الأساتذة القبول بعقود الصرف. فهي "عقود إذعان"، على ما قال بعض الأساتذة لـ"المدن". فهم لم يتسلموا حتى نسخة عنها للنظر فيها أو لعرضها على محامين. بل تبلغوا فحواها شفهياً، وطُلب منهم الحضور إلى إدارات مدارسهم بدءاً من يوم الإثنين للتوقيع عليها.

عملياً تذاكت الإدارة بعدم صرف الأساتذة جماعياً، فاستدعت كلاً منهم بمفرده. لتقدم لكل أستاذ عرضاً مختلفاً عن الآخر.  ومارست الإدارة على كل منهم ضغوطاً نفسية كبيرة، وصلت إلى حد القول لهم: اقبلوا بهذا المبلغ الذي نعرضه عليكم اليوم وحولوه إلى الدولار. وفي حال رفعتوا دعوى قضائية علينا لتحصيل مبالغ إضافية وربحتوا الدعوى بعد شهور أو سنوات، لن تحصلوا إلا على أقل بكثير من المبلغ المعروض عليكم اليوم. فحينها سيكون سعر صرف الدولار مرتفع جداً ولن يوازي ما نعرضه عليكم الآن.

تشتيت المصروفين
هكذا تعاملت الإدارة مع الأساتذة الذين يعتبرون من أعمدة التدريس في الليسيات، ومضى على عملهم فيها أكثر من 10 سنوات. علماً أن هذا الصرف التعسفي الذي تعتزم الإدارة القيام به، يجعلهم أصحاب حق في الحصول على نحو رواتب 18 شهراً كتعويض عن الصرف التعسفي. لكن جل ما عرضت الإدارة عليهم قبض رواتب نحو ثلاثة أشهر، وأقل لبعض الأساتذة. وهذه لن تصل قيمتها إلى أكثر من ألفي دولار على سعر الصرف الحالي في السوق.

ليس هذا فحسب، بل استخدمت الإدارة العصا والجزة كي يذعن الأساتذة للتوقيع على العقود. ووعدت بعضهم بإعادتهم إلى العمل عندما تتسحن الظروف الاقتصادية في البلد. وهذه الأساليب غايتها تشتيت صفوفهم، لئلا يتوحدون ويتقدمون بدعوى قضائية مشتركة.

وبعكس مدارس أخرى صرفت بعض أساتذتها تعسفياً بسبب الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي، فأبقت أولادهم مسجلين فيها للعام الدراسي المقبل مجاناً، ليس في قاموس الليسيه أي شيئ من هذا القبيل. فجل ما حصل عليه المصروفون وعوداً بتقسيط أقساط أولادهم على 12 دفعة مثلاً.  

الليسيه الكبرى - المتحف
تذرعت الإدارة بانخفاض عدد الطلاب لديها للعام الدراسي المقبل. وهذا ما حملها على التلويح بخفض عدد الأساتذة والشعب المدرسية. فالأهل في الليسيه الكبرى (المتحف) تبلغوا أن المدرسة ستفقد 500 طالب. وهذا رقم كبير يستدعي خفض 17 شعبة عل الأقل، وطرد 54 أستاذاً.

لكن وفق معلومات "المدن" تبين أن معظم أهالي هؤلاء الطلاب يريدون الاستمرار في تسجيل أولادهم في الليسيه، لكنهم يطالبون الإدارة بخفض الأقساط للعام المقبل، كي يتمكنوا من دفعها، عملا بالظروف الاقتصادية وارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء المعيشة. لكن الإدارة متشبثة بعدم حسم حتى ولو واحد بالمئة من القسط، وبعدم مراجعة أقساطها للعام المقبل. بالتالي عممت أنها ستفقد 500 طالب وبررت بذلك صرف الأساتذة، وفق مصادر الأهالي.

لكن الصرف طال أساتذة لبنانيين ولم يطل أي أستاذ فرنسي مقيم. فهؤلاء يخضعون للقانون الفرنسي الذي لا يجيز صرف الموظف من دون الركون إلى مبدأ الكفاءة الوظيفية، كما قالت مصادر الأساتذة لـ"المدن".

استرخاص اللبنانيين
استضعفت إدارة الليسيات الأساتذة اللبنانيين وقررت صرف 178 أستاذاً، مستفيدة من أن رواتبهم بالليرة اللبنانية، وبالتالي يكون صرفهم أقل كلفة عليها من صرف أي أساتذ فرنسي يقبض باليورو.

والأسوأ من كل ذلك أن الإدارة ستلجأ للتعاقد مع خرجين جدد لتخفيف المصاريف، ضاربة عرض الحائط مبدأ الكفاءة الوظيفية لأساتذتها المصروفين. حتى أن نقيب المعلمين رودولف عبود أكد لـ"المدن" أن إدارة الليسيه لم تتعط مع صرف الأساتذة من منطلق تربوي، لأنها تصرف خيرة أساتذتها.

انتظار مساعدات فرنسية
وتجري محاولات في فرنسا عبر لجنة الصداقة اللبنانية الفرنسية للضغط على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدعم مدارس البعثة في لبنان والإفراج عن مبلغ يقدر بنحو عشرة ملايين يورو لدعم التعليم الفرنكوفوني، وفق مصادر "المدن". لكن هذا المبلغ لن يطال الأساتذة الذين سيصرفون من المدرسة حالياً. فما تقرر بات محتماً.

وفي حال أفرج الرئيس الفرنسي عن هذا المبلغ سيستفيد منه الأساتذة الذين سيصرفون في مستهل العام الدراسي، أو الذين سيصرفون في السنوات المقبلة. فالمستقبل الذي تراه المدارس للتعليم في لبنان قاتم في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.

مآسٍ عائلية
اجتمعت النقابة يوم السبت مع الأساتذة المصروفين كما أكد عبود. وذلك لتحديد خطوات التحرك. وتأسف عبود لأن القانون يسمح للإدارة بصرف الأساتذة، شرط تبليغهم قبل الخامس من شهر تموز المقبل. وهذا ما أقدمت عليه الإدارة.

تتذرغ الإدارة بأن عدد الطلاب الذين سيغادرون المدارس كبير جداً، وبالتالي اضطرارها لتخفيض عدد الأساتذة والشعب المدرسية.

والمشكلة مع الإدارة أنها لم تتجاوب مع طلب وزارة التربية لتخفيض الأقساط، كي يتسنى لأهالي الطلاب إبقاء أولادهم في المدرسة. وتصر الإدارة على دفع الأقساط كاملة، كما قال عبود. لذا ستجتمع النقابة مع الإدارة لدراسة وضع كل أستاذ، للعمل أقله على تخفيض عدد المصروفين.

مستقبل جزء كبير من هؤلاء الأساتذة قاتم فعلاً، كما تقول مصادر "المدن". بعض زوجات أو أزواج الأساتذة فقدوا/فقدن وظائفهم/ن خلال الأشهر الفائتة، بسبب الأزمة الاقتصادية، ولجوء المؤسسات إلى الإقفال القسري. وباتت عائلاتهم تعتمد على عمل الزوج أو الزوجة في المدرسة. لكن بعد صرفهم لن يجدوا من يعيل عائلتهم، ولن يكون في متسعهم حتى تعليم أولادهم في المدارس الرسمية.

تواصلت "المدن" مع المدير اللبناني المساعد لمدارس البعثة الفرنسية أنطوان سلوم للرد على شكوى الأساتذة من الإدارة وكيفية تعاملها معهم، خصوصاً أن كل القرارات تصدر عنه. لكن سلوم تمنع عن الكلام، متذرعاً أنه يعاني من وعكة صحية. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024