بين بعلبك وزحلة.. الدخان الأسود يحجب البقاع

لوسي بارسخيان

الجمعة 2019/10/18

جاهدت الشمس طويلا في إشراقتها صباح الجمعة من سلسلة جبال لبنان الشرقية المطلة على البقاع، لتخرق بصعوبة طبقة الدخان السوداء التي حجبت السماء في مختلف القرى والمدن البقاعية منذ ساعات الصباح الأولى، بعدما افترشت "الثورة" الطرقات العامة، وقطّعت أوصال المناطق، بكميات كبيرة من الإطارات، التي ما كادت النيران تخمد في مجموعة منها، حتى يتم إمدادها بكميات أخرى.

مفرقعات ودخان ملوّن
وحدها مستديرة زحلة التي عجت بالمتظاهرين "العفويين" ليل الخميس، بدت في استراحة قصيرة حتى الحادية عشرة صباحاً، الموعد الذي حددته مجموعة منظمين، لنزول المواطنين مجدداً إلى الطرقات، ولكن هذه المرة مزودين بالمفرقعات النارية، والدخان الملون، الذي افتتحت به التظاهرات بشكل "حضاري" ليتبدل المشهد سريعاً نحو إشعال الإطارات، كـ"طقس" لا بد منه في التحركات الشعبية، مع تسجيل تميز زحلة من ناحية مشاركة نساء وأطفال المدينة في إطلاق الصرخة، في وقت سيطر الطابع الذكوري على معظم تجمعات القرى والبلدات البقاعية الأخرى.

بدءاً من مستديرة سعدنايل حتى ضهر البيدر، ومن ثم في الاتجاه المعاكس نحو قرى شمال البقاع حتى الهرمل، بدا المشهد منذ فجر الجمعة واحداً... فاحتلت الطرقات مجموعات من الشبان المتحمسين، الذين نجحوا في شل الحركة كلياً، على رغم المحاولات التي أجراها الجيش اللبناني لإقناع المعتصمين بإزالة الإطارات المشتعلة وفتح الطرقات، فكانت تزال لدقائق، لتعود غيرها وتحتل مكانها. وفي الأماكن التي لم ينجح فيها المتظاهرون بتأمين إطارات بديلة، افترشوا سواد الأرض، وأكدوا استمرارهم بالتظاهر حتى تتحقق المطالب...

صلاة جامعة
تبدل المشهد قليلا في نقطة المصنع الحدودية، حيث تخلى المتظاهرون عن حرق الإطارات في اليوم الثاني لفورتهم، واستبدلوا التحرك العشوائي على الطريق المؤدية إلى الحدود مع سوريا، بإقامة صلاة الجمعة في منتصف الطريق، وكانت صلاة جامعة ليخرج لبنان من كبوته، وسط لافتات عبرت عن سخط الناس من كل الطبقة الحاكمة، التي حملوها مسؤولية "الفقر والجوع" الذي غرق به اللبنانيون، فيما هم ماضون بالبحث عن تغطية "صفقاتهم" من جيوب الناس.

على طرقات البقاع، ووسط الفوضى السائدة، كان يمكن التوقف عند هتافات مجموعات شبان أطلقت بمسيرات انتقلت من موقع احتجاج إلى آخر، والتي شكل بعضها إستنساخاً لشعارات شكلت بداية شرارة الربيع العربي، وأبرزها "الشعب يريد إسقاط النظام". ومع أن الكل كان مجمعاً على توجيه أصابع اللوم إلى "كلن يعني كلن" فإن "السخط" الأوسع كان بوجه رئيس الجمهورية وفريقه، وعبرت عنها لافتات دعته لأن يرحل..

بعلبك وجوارها تطلب تغطية إعلامية
كما كان لافتاً في منطقة بعلبك إنقلاب المتظاهرين حتى السلطات المحلية التي يشكل حزب الله مرجعيتها السياسية، علماً أنه في مدينة بعلبك وحدت التحركات في ساحة الجبلي، عند مفرق دورس المؤدي إلى المدينة، مع توجيه لوم من قبل المجتمع المحلي المشارك في هذه التظاهرات إلى وسائل الإعلام، المرئية خصوصاً، والتي فتحت هواءها لنقل صورة التحركات من كل المناطق، بإستثناء بعلبك. علما أن الداعين للاعتصام في هذه المنطقة حددوا مطالبهم باستقالة الحكومة، واستلام قيادة الجيش للسلطة وإعلانها حكومة عسكرية، وتوقيف كل سياسيي لبنان، ورفع السرية المصرفية عنهم، واسترجاع الأموال المنهوبة.

"الانقلاب" على السلطات المحلية تُرجم في قرى وبلدات بقاعية أخرى، إنقلاباً على السلطات الدينية، وخصوصاً في القرى التي يبرز فيها تأثيرها، والتي وجه لبعضها لوماً كبيراً لعدم مشاركتها الفاعلة في التظاهرات.

إلا أن المهم في كل التحركات إجماعها جميعها، أن الشعب لن يقبل أن يكون أي سد لعجز الدولة من جيوب الفقراء، خصوصاً في منطقة البقاع، الذي تراجعت مداخيله الزراعية إلى أقصى الدرجات في السنوات الأخيرة، ودفع الثمن الأغلى بسبب النزوح السوري واكتظاظ مساحاته به، إلى المزاحمة التي يعانيها أهل المنطقة من اليد العاملة الأجنبية، فيما سياسات الدولة المالية، لم تسهم في التعويض عن خسائره، ولو بقطاع من القطاعات الإنتاجية التي شكلت موارد رزق دائمة للبقاعيين، من السياحة، إلى التجارة، والصناعة، التي تمر جميعها بأسوأ المراحل في هذه المنطقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024