قنبلة طرابلس الموقوتة: جبلا النفايات يسممان المدينة وبحرها

جنى الدهيبي

الأربعاء 2021/02/10

في وقتٍ يغرق لبنان بأزمات مستعصية اقتصاديًا ومعيشيًا وسياسيًا، إلى جانب تفشي وباء "كورونا"، يبدو أن السلطة تواصل هروبها من أزمة النفايات والمطامر التي تغرق البلاد بالتلوث والسموم. ولعلّ انفجار حراك 2015 على خلفية أزمة النفايات، لم يعد قابلًا للتجدد بفعل تراكم الأزمات، فاستطاعت الجهات المسؤولة أن تجعل هذا الملف البيئي قضية ثانوية، لا تحظى بالاهتمام المطلوب من الرأي العام، رغم مخاطرها الكبيرة التي تهدد بيئة اللبنانيين وصحتهم.  

إحياء القضية  
شمالًا، تستمر محاولات تحريك ملف النفايات، لا سيما أن خطر المطامر غير الصحية يتفاقم يومًا بعد آخر. وآخرها، كان إقدام مجموعة من المدنيين في طرابلس على رفع دعوى قضائية ضد المتسببين بتلويث أجوائها، وتعريض أهلها للسموم، جراء ما ينتج عن مكبات النفايات.  

وجاء في نصّ الدعوى (المرفق أدناه): "نتيجة لعدم تحرك أي جهة مسؤولة، ولأن أهلنا يتعرضون يوميًا للسموم، ولأن بحرنا يتلوث بإصرار وعدم اكتراث بسبب تسرب عصارة المكبات، ولأن المطمر القديم يحتوي كمية كبيرة من غاز الميثان القابل للاشتعال، تقدمنا وبعد تأخير قسري نتيجة الإقفال العام، يوم أمس الواقع فيه 8 شباط 2021 بدعوى أمام مقام النيابة العامة التمييزية في لبنان، ضد كلِ متواطئ وشريك مسؤول عن تسبب الأذى والضرر على أمن وصحة وبيئة أبناء طرابلس والميناء ومدن الفيحاء بل كل الشمال والوطن. إننا ندعو أهلنا لتبني هذه الدعوى وندعو القضاء للإسراع في تصحيح الخلل ورفع الضرر، وأن ينال كل معتد جزاءه من دون ابطاء".



وعود زائفة  
وقد برزت أزمة النفايات في مدن اتحاد بلديات الفيحاء، الذي يضم طرابلس والميناء والبداوي والقلمون، منذ سنوات، بعد أن بلغ جبل النفايات أضعاف حدوده الاستيعابية، إلى جانب شبهات كانت تحوم على أداء معمل الفرز. والأزمة اليوم، تؤكد زيف الوعود التي تلقتها طرابلس في 21 حزيران 2018، حين اجتمع بقصر رشيد كرامي الثقافي (نوفل سابقًا) نواب طرابلس ومسؤولين عن البلديات، مع مجموعات من المجتمع المدني رفعت الشعارات الرافضة لإنشاء مطمر بحري جديد للنفايات، بجانب المطمر الحالي الذي اقترحته الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار.  

ومع ذلك، تقرر حينها إنشاء مطمر بحري أسموه "الصحي" كبديل مؤقت، على أرضٍ مجاورة للجبل الحالي عبر ردم البحر، وجرى تلزيمه لشركة "باتكو" المسؤولة عن المطمر الأساسي. وحينها، ارتفعت الأصوات المحذرة من ردم البحر لإنشاء هذا المطمر، في ظلّ وجود 500 طن نفايات يوميًا، ومخاطر تسرب ملوثاته إلى البحر. كما أنه ملاصق للمسلخ وللمنطقة الاقتصادية الحرّة ولسوق الخضار الجديد. فما كانت النتيجة؟  

رغم كل الوعود، فإن المطمر الجديد الذي انطلق العمل به في شباط 2019، لم يجرِ إنشاؤه بطريقة صحية، ولم تعالج عصارته والغاز المتسرب منه، وبالتالي تحول لمشروع جبل نفايات جديد يُضاف إلى الجبل الحالي، و"هو المسار الطبيعي حين يتم اللجوء لتلزيم الشركة نفسها (باتكو) بمعالجة أزمة كانت سببًا بتفجيرها مع مجلس الإنماء والإعمار"، وفق ما يقول مصدر مسؤول مطلع على الملف.  

القنبلة الموقوتة
ويشير المصدر أنه بعد أن جرى اغلاق معمل فرز النفايات في 23 أيلول 2020، تذهب النفايات كما هي إلى المطمر البحري من دون فرز، بينما المطمر القديم الذي صار جبلًا، دعا لأجله مجلس الإنماء والإعمار لمناقصتين، واحدة في آب وأخرى في أيلول 2020، من أجل إقفال المكب بطريقة صحية مع سحب غازه وعصارته، لكن لم يتقدّم للمناقصة أي عرض، بسبب انهيار الليرة والخسارات المالية التي قد تترتب على المشروع. ما يعني أن المكب القديم ما زالت مشاكله البيئية مستمرة، بعد أن توقفت معالجة نفاياته منذ العام 2012 حتى إقفاله في شباط 2019.  

وحسب المعلومات، فإن المكب القديم بلغت كمية النفايات فيه من دون معالجة لأكثر من 2 مليون طن، ووصل ارتفاعه لنحو 49 مترًا، وهو ما دفع نقابة المهندسين في دراسة سبق أن أعدتها، واكتفت بنشر ملخصٍ لها في 21 آب 2020، قالت فيه أن "مكب النفايات السابق يعتبر قنبلة موقوتة ويمكن أن يتهدد البيئة والمواطنين بحدوث حرائق، بسبب وجود كميات كبيرة من الغاز الحيوي في جسم المكب".  

ودعت النقابة، وإن من دون جدوى، مجلس الإنماء والإعمار واتحاد بلديات الفيحاء، للإسراع بتأهيل مكب النفايات السابق، "نظرًا لما يشكله من خطر كبير على البيئة والصحة العامة".  

وهذا المكب العشوائي للنفايات المنزلية بدأ العمل به في السبعينات، وفي سنة 1998 وصل إلى حالة يرثى لها وشهد عدة حرائق نتيجة انبعاث غازات ناتج عن تحلل النفايات، وفي سنة 2000 انتهت عملية تأهيله من جديد، حسب دراسة النقابة.  

أمّا المكب الجديد الذي لا تتجاوز قدرته الاستيعابية 14 مترًا، يتوقع بعض المراقبين أن يصبح مطمر برج حمود 2، عبر ردم البحر وتكديس النفايات فيه من دون معالجة.  

خدعوا الناس
وفي السياق، يشير الدكتور يحيى الحسن، وهو أحد الموقوعين على الدعوى الأخيرة وسبق أن لاحق الملف منذ سنوات بتقديم الشكاوى ورفع الدعاوى، إلى أن تحريك القضية لم يصل لحل بعد، "لأن المطمر الجديد يتفاقم وهو ليس صحيًا كما يدعون، ولن يصمد أكثر من عام".    

ويعتبر الحسن، في حديث لـ "المدن"، أنه نتيجة الظروف التي يمر بها لبنان، منذ انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 وما تبعها من انهيار اقتصادي والمالي، لم يتعاط أحد مع الملف كأولوية. 
وأشار أن هذه الدعوى جاءت استكمالاً للشكاوى والدعاوى التي سبق أن رفعت، وأن ثمة توجهًا للاستمرار بالمسار القانوني، رغم اليأس من السلطة. وقال: "نحن نحمل جميع الجهات الرسمية، من اتحاد البلديات إلى الحكومة والوزرات المعنية ونواب المدينة، مسؤولية ما يمكن أن ينتج من كوارث عن هذين المطمرين، بعد أن كلف انشاء المطمر الجديد 33 مليون دولار، فخدعوا الناس من دون تنفيذه شروطه البيئة والصحية".  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024