وزير الصحة في طرابلس: حفاوة المحرومين والمحتاجين

جنى الدهيبي

الأحد 2019/03/31

للمرة الثانية، يدخل وزير الصحة العامة جميل جبق عاصمة الشمال، من بابها العريض، وبأكثر حاجاتها إلحاحًا: الطبابة والإستشفاء. فبعد جولة شهر شباط الماضي، التي بدأها من عكار إلى المنية فطرابلس، وزار فيها متفحصاً ومستكشفاً المستشفيات الحكومية، عاد يوم السبت في 30 آذار 2019، إلى طرابلس، ملبيًا دعوة النائب فيصل كرامي، لزيارة المستشفى الإسلامي والمستوصف وجامعة المدينة التابعين له.

كسر ثقافة التنفيع الطائفي
زيارات جبق إلى الشمال، فيما لا ينسى البعض توصيفه بـ"وزير حزب الله"، تحمل أبعاداً مختلفة، يختصرها هو في تركيزه على الجملة التي لم ينسَ تكرارها أمس: "وزارة الصحة هي وزارة كلّ لبنان". وحفاوة استقبال جبق في طرابلس، رسميًا وشعبيًا، تُترجم معنى أن تكسر "الوزارة الخدماتية" ثقافة التنفيع الطائفي والمناطقي.

وبينما تدور في طرابلس حملة انتخابية، تحمل شعار "محاربة حزب الله"، كان "وزير الحزب" يجول منفتحًا، وواعدًا أن تقوم وزارته بكامل واجباتها في القطاع الصحي في المدينة، التي يعاني أكثر من نصف أبنائها الحرمان من التغطية الصحية، قائلًا: "لن يقف بعد اليوم أيّ مواطن على باب المستشفى ويُقال له مت، لأنه لا يوجد لدينا سقف مالي".

في مشهد جولته واستقباله، ثمّة ما يوحي أنّ هناك آمالًا كبيرة معلّقة على وعود الوزير جبق، لا سيما أن طرابلس من أكثر المناطق اللبنانية التي تشهد على موت أبنائها أمام أبواب المستشفيات حينًا، وعجزهم عن دخولها أحيانًا، نتيجة حرمانهم من كل أشكال التغطية الصحية. فـ"الصحة" هي من صميم حاجات أبناء مدينة محرومة من أدنى مقوماتها. 

نقص في التمريض
يولي الوزير جبق الشق الأكاديمي اهتمامًا كبيرًا باعتباره جزءًا من مسار نجاح العمل في وزارته. وأثناء زيارته لجامعة المدينة، أكد أنّ أكثر ما يعنيه في الجامعات، هو كلية الصحة، لأنّها من الضروريات. فـ"كلية الصحة ليست وظيفة، والإختصاصات المطلوبة في لبنان واضحة". مشيرًا أنّ "لدينا نقص في جهاز التمريض بحدود ثمانية آلاف ممرض وممرضة، تحتاجها الروح الاستشفائية. ولهذا، نستعين بجنسيات أخرى لسدّ العجز. وعلى صعيد التغذية، فنحن بحاجة أيضا لسلامة المجتمع السليم عبر المراقبين لسلامة التغذية، للحفاظ على سلامة المجتمع وغذائه".

شدد جبق على ضرورة تعاون الوزارة مع المستشفايات الخاصة في لبنان، باعتبارها شريكًا أساسيًا. وهي تقوم بمهام المستشفيات الحكومية، التي يبلغ عددها في لبنان 33 مستشفى وحسب، مقارنة بعدد سكانه وضيوفه، الذين يبلغون نحو 2 مليون، لنصل إلى 6 مليون نسمة. فـ"المستشفيات الحكومية بعددها المتواضع، غير كافٍ للقيام بالمهمة الاستشفائية للشعب اللبناني والزائرين، فكان لدينا خيار واحد هو مشاركة القطاع الخاص للمستشفيات، نتيجة حاجتنا له". وبعد أن رأى جبق، أنّ هناك مستشفيات "تستأهل وأخرى لا تستأهل، مستشفيات تخدم الإنسان وتطببه شبه مجانًا، وأخرى قد يحتاج فيها المريض أن يبيع بيته لتسديد فاتورتها"، "يقوم اليوم المستشفى الإسلامي الخيري بجهدٍ كبير في طرابلس والشمال لسدّ الحاجات المطلوبة. إذ شهدت فيها على توفر كل المعدات والامكانيات التي تشرّف وتستطيع القيام بالواجب، رغم غبنها بسقف مالي متواضع، وهي تستأهل أعلى منه بكثير".

وجع الميزانية
في زيارته الشمالية السابقة، كان جبق قد ذكّر أنّ هناك أكثر من مليون و800 ألف مواطن لبناني غير مضمونين من أي جهة ضامنة، وأكثر من نصف هذا العدد هم من طرابلس وعكار، وهو ما يستدعي رفع السقف المالي للمستشفيات الحكومية. وحينها، واجه نقدًا كبيرًا على قاعدة "من أين سيأتي بالسقوف المالية"، فيما ميزانية الدولة معدومة وغارقة بالديون. إلّا أنّه أمس، عاد وأكد أنّ كلّ "فرنك" وعد به لجهة رفع السقوف المالية للمستشفايات الحكومة موجود، وأنّ هناك وفرًا ماليًا في ميزانية وزارة المالية ولو بقيت كما هي. يقول: "إذا لم تعطنا الوزارة ما نطلبه، فنتأمل بالنواب ولجنة الموازنة أن يساندوا وزارة الصحة في مجلس الوزراء، ونتوقع أن ترتفع موازنتنا إلى مبلغ مقبول نستطيع من خلاله مساعدة اللبنانيين في القطاع الإستشفائي".

وإذا نالت الوزارة السقوف المالية المطلوبة، وعد أن تكون كل مستشفيات لبنان على مستوى راقٍ من الامكانيات، وأن لا يقف أيّ مريض لبناني على باب المستشفى ويُقال له "مت"، لأنه لا يوجد لدينا سقف مالي. هذه القصة، "أثّرت بإنسانيتنا قبل أن نكون في الحكومة. والحس الإنساني الموجود لدينا، سننميه لكي نساعد شعبنا، ولن نفرّق بين اللبنانيين في الطائفية والمذهبية والحزب الذي ينتمون إليه".

شدد جبق في ختام جولته أنّ ما يهمه هو "المواطن اللبناني" وحسب، في كلّ مناطق لبنان. وما يعرفه، هو "أنّ الشمال بما فيه عكار وطرابلس، مثلهما مثل منطقة بعلبك الهرمل المحرومة، بحاجة للإنماء". وعلى صعيد وزارة الصحة، "سنساعدهما قدر الإمكان. وحتى لو اقتصر الإنماء الصحي على هاتين المنطقتين فقط لاغير، سأنميها".
حضور "وزير حزب الله" على هذا المنوال الخدماتي، يكسر حواجز سياسية وحزبية وطائفية. وربما يبدو للبعض أنه مكسب دعائي لهذا الحزب بما يخدم مشروعه السياسي. لكن، أليس هذا ما يكشف في المقابل سوء أداء خصومه، خصوصاً منهم "زعماء" طرابلس والشمال وأحزابهم ووزرائهم ونوابهم؟ 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024