أمهات طرابلس وأبناؤهن المظلومون بالمحكمة العسكرية

جنى الدهيبي

الثلاثاء 2021/02/23

في باب التبانة، ما زالت تنتظر السيدة فاطمة خلف خبرًا إيجابيًا عن مصير ابنها، علاء كمون (15 عاما). وهو القاصر الوحيد الموقوف لدى الشرطة العسكرية، على خلفية أحداث طرابلس. لكن ادعاء مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية في لبنان، القاضي فادي عقيقي، بتهمتي "السرقة" و"الإرهارب" على 35 موقوفًا وغير موقوفين من طرابلس والبقاع - إثر ما شهدته المدينة من مواجهات عنيفة بين المحتجين والقوى الأمنية والجيش، انتهت حينها بحرق البلدية – قضت على أمل أم علاء، التي تطالب بخلاص "طفلها"، كما تسميه.

علاء كمون قاصر تعرّض للتعذيب
  

"رأيتُ ابني بعد ادعاء المحكمة الاثنين، فكان يبكي ومحطماً نفسيًا، وأخبرني سرًا أنه تعرض للضرب خلال تحقيق مخابرات الجيش معه، لأنه يخجل من ذلك"، شكتْ أمّ علاء لـ"المدن". وروت بعض التفاصيل عن حياة ابنها، وهي تعمل من أجل تأمين مصروفه بالتعليم المهني، بعد أن التحق بمعهد الفندقية ليصبح شيفًا محترفًا، كما يحلم. قالت: "نعيش ظروفًا مادية صعبة، لكنني أصريت على تعليم أولادي. وكنت أحرص على رعاية علاء. وهو شارك بعد حراك 17 تشرين الاول 2019 بمطبخ الثورة في ساحة النور، ورغم مشاركته بالتحركات الأخيرة مع بعض رفاقه، لكنه ليلة إحراق البلدية كان بالمنزل، وفي اليوم التالي ألقوا القبض عليه".  

تلقت أم علاء خبر اتهام ابنها بـ"الإرهاب" بصدمة كبيرة، وقالت بعفوية "لو كان ابني إرهابياً فعلاً لسلمته بنفسي، لكنه مظلوم ومتروك لمصير مجهول".  

مهما كان الثمن
ورغم سعي هذه السيدة للتماسك، لكن قرينتها هدى، وهي والدة الموقوف طارق بدوية (29 عاما)، لا تتوقف عن البكاء، وتتعاطت مع خبر توقيف ابنها بتهمة الإرهاب كأنه نهاية مصيره. هذا الشاب الذي تصفه والدته بـ"قليل الحظّ"، هو أب لطفل، ويعمل سائق تاكسي على سيارة أجرة، بالكاد تؤمن له قوته اليومي. وطارق الذي جرى توقيفه ليلة إحراق البلدية، تعوّد أن يذهب إلى ساحة نور، ليدخن النرجيلة على الرصيف مع رفاقه "لأنها أرخص من محلات أخرى"، وفق والدته. وتلفت أنه في ليلة إحراق البلدية، تواصلت معه للمجيء فورًا إلى منزلهم في منطقة المنكوبين، لكنه أخبرها أنه غير قادر على الوصول بسبب حواجز الجيش.  

قالت وهي تختنق حزنًا: "لقد ألقوا القبض على ابني خلال توجهه إلى المنزل، بينما هو شاب آدمي لا يعتدي على أحد ولا يرشق بالحجارة ولا بالقنابل. وكل ما كان يفعله هو أن يشارك بسلمية في تظاهرات كانت تنطلق باتجاه منازل النواب، للمطالبة بأبسط حقوقه حتى يعيش بكرامة.  
وتسعى أم طارق لتوكيل محامٍ جديد لابنها: "لن نقبل إلصاق تهمة الإرهاب به مهما كلف الثمن"، وفق تعبيرها.

طارق بدوية

 

ترهيب المدينة أو دعشنتها؟  
وبعيدًا عن السجال القانوني لملابسات اتهام موقوفي أحداث طرابلس بـ"الإرهاب"، إذ تعتريه كثير من التجاوزات والانتهاكات (راجع "المدن")، أشعل هذا الاتهام الغضب في طرابلس، من دون أن يُترجم بتحركات على الأرض، لا سيما أن خلفيات الاتهام بدت واضحة على مستوى تطويع وترهيب كل من ينوي التحرك؛ وكأن كل محتج في طرابلس صار "مشروع ملف إرهابي"، برأي كثيرين!  

وفور صدور الاتهام، توالت ردود الفعل الرافضة له في المدينة وكل لبنان. وأكثر ما بدا لافتًا هو نشر صورة خريطة جغرافية، تختصر الواقع بمأساويته، فحملت عنوان "لبنان الخريطة السياسية"، وقد عكست انعدام كبير للثقة بالقضاء، على قاعدة أن لكل فئة اتهاماتها المسبقة، وفقًا لموقعها الجغرافية، لتكون تهمة طرابلس وجوارها الشمالي هي "الدعشنة" دائماً.

 

وفي السياق، عادت إلى الواجهة إشكالية استمرار توقيف المحكمة العسكرية للمدنيين لمحاكمتهم، بتجاوز قانوني واضح؛ وهذا إلى جانب عدم التقيد بالمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، التي تحفظ للموقوف حق توكيل محامٍ لملازمته أثناء التحقيق معه، إلى جانب ضرورة توثيق التحقيقات بالصوت والفيديو. 
وحسب ما نقل عدد من الأهالي والمحامين، فإن الموقوفين تعرضوا للضغوطات والتعنيف الجسدي، ما يؤدي للتشكيك بكل اعترافاتهم المسجلة في التحقيقات. 
وكانت طرابلس قد شهدت في نهاية كانون الثاني مواجهات عنيقة أسفرت عن مقتل الشاب عمر طيبا برصاص من أحد عناصر القوى الأمنية، وسقوط أكثر من 400 جريح. وهنا يتساءل مراقبون في طرابلس عن أسباب تمييع قضية طيبا، وعدم محاكمة قاتله بأي تهمة.

وفيما تستمر المخاوف من أن تؤدي اتهامات المحكمة العسكرية إلى تفجير الوضع الأمني في طرابلس، علمت "المدن" أن بعض القوى المدنية في طرابلس تعمل على تهدئة الأوضاع والدفع نحو تنسيق الخطوات الاحتجاجية لاحقًا، على قاعدة التعامل بذكاء مع نوايا السلطة. وهناك توجه لتركيز التحركات عند محيط المحكمة العسكرية في بيروت.  

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024