الطلاب الحائرون بين الدراسة و"النضال"

كريم صفي الدين

السبت 2019/05/25

في ظل الأزمة الاقتصاديّة التي ترخي بثقلها على الجميع، وسياسات "توزيع الخسائر" في مشروع الموازنة، والاقتراحات المتداولة لسد العجز، تتنوّع مصالح وأولويّات الفئات الاجتماعيّة، التي تحاول كلّ منها حماية نفسها ومكتسباتها. وتتجسّد هذه الصورة في مواقف طلّاب الجامعة اللبنانيّة المتنوّعة إزاء إضراب أساتذتهم.

شدد رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، في 15 أيار الحالي، أن "الإضراب مستمر حتى تحقيق كل المطالب..". أي على صون الرواتب وصندوق تعاضد الأساتذة والحقوق المكتسبة. كما أكد أعضاء الجمعية العمومية في اجتماعهم بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أن "قرار استمرار الإضراب أو تعليقه يعود للهيئة العامة حصراً". يقول الناشط والأستاذ في الجامعة اللبنانية، الدكتور باسل صالح، لـ"المدن": "هناك إجماع تام من جميع الأساتذة، على اختلاف ميولهم السياسية، على أن قرار العودة عن الإضراب مرفوض كلياً".

التضامن الطلابي
تعطيل الدراسة في الجامعة طوال هذه المدة، طرح علامات استفهام لدى الطلاب، الذي يتخوفون على مصير عامهم الدراسي.. ما فتح سجالاً بينهم حول الموقف من إضراب أساتذتهم. ولذا، عمدت مجموعات طلابية متنوعة إلى نشر بيانات تضامن مع مطالب الأساتذة ومطالبهم. يقول الطالب جواد حمية، وهو عضو في مجموعة مستقلة، تأسست تحت إسم "الصالون الثقافي": "رغم أننا نتغاضى الآن عن بعض الخلل في المعايير التي أتت بالأساتذة، إلا أننا نرفض المسّ بحقوقهم، اعتباراً من أنها من ميزانية الجامعة التي تخص جميع مكوناتها، أساتذة وطلاباً". يتشابه هذا الموقف مع "نادي نبض الشباب" الذي أصر على "توحيد صفوف الأساتذة والطلاب لحماية جامعتنا" وعلى "واجب الطلاب بالوقوف إلى جانب أساتذتهم، معتبرين أن تحرك الأساتذة يبقى ناقصاً من غير دعم الطلاب له، وإدراكهم لموقعهم الطبيعي إلى جانب الأساتذة وكل الفئات المتضررة من سياسات السلطة، كما كان الحال خلال الستينيات والسبعينيات، عندما كانت حركة الطلاب والأساتذة، في مناخاتها النقابية والمطلبية، تشكل جذوة الأمل والتغيير على صعيد الوطن ككل."

الخوف على العام الدراسي
في المقابل نبّه "نادي سما"، عبر بيان له على مواقع التواصل الاجتماعي إلى أن "عدم إجماع الأساتذة على مشاركة الطلاب في نضالٍ يحسّن من الظروف الدراسية ويرتقي بالجامعة، جعلهم يخسرون مساندة الكثير من الطلاب الآن، في موقفهم بوجه الدولة، ويزيد الشرخ كثيرً بينهم". إذ أكد غاندي سري الدين، وهو طالب وعضو في "نادي سما": "رغم تعاطفنا معهم، لا يجوز للطالب أن يدفع ثمن فساد الدولة. فكما حصل السنة الماضية، حشروا الطلاب زمنياً لإنهاء منهج العام الدراسي. وهذه السنة نحن مهددون بإعادته، في حال لم يفك الاضراب المفتوح". هناك الكثير من الطلاب من هذا الرأي، ويشعرون أنه بدلاً من إنهاء الفصل في شهر تموز، قد يضطرون إلى إكماله في شهر آب أو أيلول، بسبب مدة الإضراب. فلذلك بعض الطلاب يعارضون بقاء الإضراب، لأسباب تقنية ومنهجية.

تكثر الأسباب للمواقف السلبية من بعض الطلاب إتجاه الإضراب. فبرأي الطالب علي: "للأسف اليوم، الطلاب يشتكون من الإضراب، ويرفضون النزول إلى الشارع والوقوف صفاً واحداً مع أساتذتهم. فمعركتهم هي معركتنا، لأننا في يوم من الأيام سنتسلم زمام الأمور عنهم. المشكلة أن الأساتذة لم يشرحوا للطلاب جيداً أسباب الإضراب، ولم يستخدموا الوسائل الدعائية الكافية لتوضيح مطالبهم وأهميتها. والانقسام الواضح بينهم يؤثر سلباً.. بما يجعل الخاسر الأكبر هو الجامعة وسمعتها وشهادتها."

موقف أحزاب السلطة
الدكتور باسل صالح يقدم تفسيراً مختلفاً لمعارضة بعض المجموعات الطلابية لهذا الإضراب، فيقول: "تحاول أحزاب السلطة ضرب تحرك الأساتذة بواسطة تحريك قطاعاتها الطلابية ومنظماتها الشبابية، وتحاول وضعهم بمواجهة الأساتذة، مظهرة وكأن المشكلة هي بين الأساتذة والطلاب، وليست بين الطلاب والأساتذة ومجمل الشعب اللبناني من جهة، والسلطة وأحزابها من جهة أخرى".

في هذا السياق، نذكر أن المنظمات الشبابية اجتمعت في المقر العام للتيار الوطني الحر، ضمّ جميع الكتل والأحزاب الممثلة في السلطة حالياً، ودعت رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية إلى تعليق الإضراب المفتوح.

السجال الحاد حول وضع الجامعة اللبنانية مستمر، لكن المتفق عليه عموماً هو واقع المسؤولية الكبيرة على الطبقة السياسية لصوغ السياسات المناسبة لإصلاح الجامعة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024