الوضع في طرابلس مخيف.. نقمة بعكّار و11 مصاباً ببشري

جنى الدهيبي

الجمعة 2020/04/03

هل تتحول طرابلس إلى بؤرةٍ لتفشي فيروس "كوررونا" في لبنان؟ هذا السؤال، بات الأكثر إلحاحًا في عاصمة الشمال، نظرًا لاعتبارات عدّة، آلت إلى خرق حالة التعبئة العامة، وعدم إلتزام شريحة واسعة من أبناء المدينة في منازلها. ومنذ إعلان الحكومة لقرار "التعبئة العامة" قبل نحو ثلاثة أسابيع، بدا مشهد الإلتزام في طرابلس غير منضبط وتفاوت بين مناطق وأخرى. وفي تسجيل سريعٍ للخروقات، يمكن تلخيصها في طرابلس على الشكل الآتي:

- أسواق الخضار واللحوم والعطارين لم تقفل أبوابها. ولم يتخذ أصحاب المحلات فيها تدابير وقائية. وهي تضجّ يوميًا بازدحام الناس وتدافعهم من دون اتخاذ مسافات آمنة.

- فوضى عارمة في المناطق الشعبية وداخل الأحياء التي يعيش أبناؤها تحت خطّ الفقر. إذ لم يتلزم أحد الحجر، واستمرت حياتهم في الشوارع بشكل طبيعي. وهو ما كان جليًا في مناطق باب التبانة وباب الرمل وعند الجسر والقبة وفي ساحة التل.

- عدد من "الشيوخ" أصروا على إقامة صلاة الجمعة جماعة في المساجد، أو افترشوا باحاتها الخارجية، ولم يلتزموا بقرار الأوقاف التي علقت الصلاة في المساجد التابعة لها.

- عدد من التظاهرات الشعبية خرجت ليلًا، احتجاجًا على الأوضاع المعيشية الصعبة.

- معظم التعاونيات الغذائية والسوبرماركات لم تلتزم بتدابير الوقاية في طرابلس، فسمحت باكتظاظ الزبائن من دون أن تضع المعقمات عند مداخلها. كذلك الحال أمام الصرافات الآلية في المدينة.

الاكتظاظ والبيوت المتلاصقة
الفوضى العارمة التي استمرت في طرابلس على مدار الأسابيع الأخيرة، كان تبريرها فقر الناس وحاجتهم لتأمين لقمة عيشهم. وبين خياري "المرض" و"الجوع"، غامر الطرابلسيون بالخيار الأول، في ظلّ تباطؤ الحكومة باتخاذ التدابير العملية لتوزيع المساعدات "الموعودة"، وعدم حصول الجميع على المعونات الغذائية، التي تقوم بتوزيعها الجمعيات الخيرية، وبعض هيئات المجتمع المحلي.

لكنّ اللافت منذ صباح يوم الخميس 2 نيسان، هو تراجع الحركة في أسواق طرابلس، وإلتزام بعض الزبائن وأصحاب البسطات والمحلات بارتداء الكمامات ووضع كفوف اليدين، خلافًا لمشهد الأيام السابق، بينما بقيت فئات أخرى غير مكترثة. وسبب ذلك، هو انتشار أخبار وشائعات عن تفشي فيروس "كورونا"  في أسواق الخضار وبعض الأحياء الشعبية، ما يعني كارثة حقيقية تدق ناقوس الخطر شمالًا، نظرًا لاكتظاظ هذه الأحياء والأسواق، وبسبب ضيق المنازل التي لا تسمح مساحتها بالحجر المنزلي، حتّى أنّ بعضها هو عبارة عن غرفةٍ وحمام فقط مهترئين!

ما حقيقة أخبار تفشي الإصابات؟
رسميًا، سجلت طرابلس حتى الآن، بحسب أرقام وزارة الصحة، 15 إصابة فقط. أمّا ليلة الأربعاء، فجرى الكشف عن إصابتين بفيروس "كورونا" في أحد مختبرات طرابلس الخاصة المعتمدة لدى وزارة الصحة. إصابة في حيّ السويقة وأخرى في ساحة الدفتار، لامرأةٍ خمسينية تعيش في بيت صغير مع 7 أولاد، وشاب عشريني يعمل في الساحة ويتنقل بشكلٍ كبير في المدينة. وبعد أنّ ظهرت نتائج الفحوصات إيجابية، طُلب منهما إلتزام الحجر في منزليهما، علمًا أنهما غير مؤهلين لذلك.

وفي السياق، يشير رئيس بلدية طرابلس رياض يمق لـ"المدن"، أنّ خطورة هاتين الإصابيتين، أنّ المرأة والشاب يعيشان في منطقتين شعبيتين، تكتظّ بالسكان في مساحات ضيقة، ما يفتح أبواب الاحتمالات السلبية على مصراعيها. فـ"الوضع في طرابلس مخيف، ونخشى من المفاجآت". وعلى الفور، "قامت البلدية بتعقيم منزليهما والشوارع التي تحيطهما".

وما يتعلق بتخصيص أماكن للحجر في طرابلس، يستغرب يمق أنّ بعد مرور 10 أيام على مجيء لجنة إلى طرابلس تضمّ خبراء ومندوبين من وزارة الدفاع للكشف على فندق "الكواليتي إن"، بناءً على اقتراح لجنة إدارة الكوارث والأزمات في بلدية طرابلس، التي طرحت فكرة تحويل الفندق لمكان للحجر الصحي، لم تباشر الجهات المعنية بتأهيله بعد، وقد تحتاج العملية لوقتٍ طويل. أما المستشفى الحكومي في طرابلس، فمن المنتظر أن تبدأ من مطلع الأسبوع المقبل باستقبال المصابين بالفيروس، وإجراء فحوصات الـ PCR.

قال يمق: "الفوضى داخل الأسواق سببها الرئيسي هو الفقر، ولا يمكن لأيّ سلطة أمنية أو بلدية أن تضبط الأمور بشكل كامل. ورغم أنّ الجيش يكون حازمًا في طرابلس، لكن حالة الفوضى مستشرية في المناطق الشعبية". وكانت البلدية قد خصصت مبلغ ثلاثة مليارات ليرة لتوزيع المعونات على العائلات الأكثر فقرًا، وسيغطي نفقة نحو 35 ألف حصة غذائية، سيجري توزيعها بوقتٍ قريب على جميع البيوت في المناطق الفقيرة، بحضور مراقبين وعناصر من الجيش ومتطوعين من الكشافة.

عكار
في عكار، سجلت رسميًا أرقام وزارة الصحة 14 إصابة، في ظلّ المخاوف داخل المحافظة من تصاعد الأعداد في الأيام المقبلة، وارتفاع عداد الإصابات تباعًا. وكانت عناصر قوى الأمن الداخلي في قيادة سرية عكار، تابعت منذ صباح الخميس العمل للحد من فوضى عدم الالتزام بتطبيق قرار التعبئة العامة، وخطة الطوارئ الصحية لا سيما أمام فروع المصارف والصرافات الآلية في العبدة وحلبا والقبيات. كما أقامت حواجز على الطرقات العامة في عكار، للتدقيق في الفانات وسيارات التاكسي، بهدف ضبط حركة المواطنين.

ويبدو أنّ الهمّ المعيشي والاقتصادي يتقدّم في عكار، مع بداية أول شهر نيسان وتكبدّ المواطنين لكثير من الأعباء على كاهلهم. وبينما ينشغل العكاريون بآلية الحصول على المعونات والمساعدات من الجمعيات والبلديات والهيئات المحلية، تشير معلومات "المدن" أنّ ثمّة نقمة شعبية ومدنية كبيرة على عمل بعض البلديات والتيارات السياسية، التي تعمل بهذه المرحلة الحساسة وفق منطق المحسوبيات والمحاصصات الانتخابية، وتختصر كل جهة توزيع المساعدات على "جماعتها" فحسب، أمّا العائلات المتعففة والمواطنون المستقلون لا تمتدّ لهم يد العون.

وعن عكار، كانت قد اعتمدت لجنة "متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس كورونا" عدد من الأماكن كمراكز للحجر الصحي وهي: مستشفى زكريا – برج العرب، أوتيل غراسياس، أوتيل الصياد – بينو عكار، مركز الدكتور عبدالله خوري – رحبة عكار، مجمع العزيز – فنديق عكار.

بشري
في بشري، وبعد أن سجلت البلدة قبل 6 أيام إصابات بفيروس "كورونا"، بينهم أفراد من الطاقم الطبي في مستشفى بشري الحكومي، وجرى إقفال المستشفى لأسبوع على إثر ذلك، أعلنت إدارة المستشفى الخميس 2 نيسان، عن إجراء 24 فحص PCR برزت 4 نتائج ايجابية إضافية، و20 نتيجة سلبية. وبذلك، "يكون العدد الاجمالي لغاية اليوم الأول من نيسان 11 حالة إيجابية بفيروس كورونا في مدينة بشري، عدا الحالات التي سجلت في بلدة برحليون".

تعليقًا على الوضع الصحي في بشري، أشار رئيس بلدية بشري فريدي كيروز لـ"المدن"، أن أعداد الإصابات لا تزال تحت السيطرة في البلدة التي تضم نحو 10 ألف نسمة. أمّا البلدية، فلها ثلاث مهمات أساسية تقوم بها داخل البلدة: أولًا، حصر مداخل البلدة وتعقيم كلّ السيارات وتسجيل الأسماء وفحص الحرارة للتأكد من صحة الوافدين إليها. ثانيًا، تعقيم الشوارع والمحلات وتوعية المواطنين عبر منشورات يومية ونداءات خلال النهار لإلتزام الحجر المنزلي. وثالثًا، متابعة المصابين وعائلاتهم لتأمين الحجر المنزلي لهم، ومن ثمّ التواصل مع كل الأشخاص الذين خالطوهم على أن يلتزموا الحجر لمدة 14 يومًا. أما المصابون، فـ"قد يجري نقلهم إلى مستشفى مارميما للعزل، كما افتتحت مستشفى بشري مركزًا ثانياً لها للعزل المنزلي، لأن معظم بيوت الضيعة صغيرة".  

وحسب خريطة الإصابات في بشري، فإنّ العدوى الأولى انتقلت من طبيب مصاب داخل المستشفى الحكومي، وبعدها بدأت تظهر الحالات. انتقلت العدوى منه إلى طبيبة أخرى كانت على تواصل معه، ثم إلى زوجها، ثم تبين إصابة خمس ممرضات. وحالة واحدة فقط، لم يتبين بعد مصدر إصابتها في بشري، و"يجري استكمال التحقيقات في شأنها من قبل الجهاز الطبي والأجهزة الامنية، بينما الإلتزام الشعبي في البلدة بالتعبئة العامة يبدو عاليًا للغاية، حرصًا منهم على سلامتهم"، أضاف كيروز.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024