رواج الاسطوانات: الصوت في زمانك ومكانك

رنا قاروط

الثلاثاء 2017/11/28

عندما تلقيت دعوة لافتتاح محل ذي غروفي آول للفينيل، اعتقدت أن الأمر يتعلق بنوع الطباعة المعروف. التبست عليّ المسألة عندما شاهدت صفحته في فايسبوك تتحدث عن الأفلام والموسيقى. أها؟ هي إذن اسطوانات. هذه الاسطوانات التي بدأت أراها منذ فترة في بيوت الأصدقاء ومحلات الأنتيكا ما زالت شغّالة؟ حسبت أنها للديكور، يقتنيها الكولكتيرز، محبي قطع الفنتدج.

أتفرج على هذه الأقراص الكبيرة، التي يعجبني شكلها وأحب صور أغلفتها. أراها كأنها تعود من حقبة "الزمن الجميل" التي تروق لذائقتي، خصوصاً في ما يتعلق بأثواب النساء بعدما استغنين عن أدرع القماش الزائد فيها. شيء من أنفاس هذه الحقبة عاد في كليبي "يا سلام" للنانسي عجرم و"أن فير شي نو" لسلمى مصفي مع ارتدائهما ألبسة الرأس الأنيقة، التي تتدلى منها حبال الكريستال.

أمر بالممشى لأصل إلى بوتيك الموسيقى في آخر الطابق الأرضي. تعود إليّ ذكرى حلوة عندما طلعت في وجهي في هذا المكان، وأنا صغيرة، جورجينا رزق. كان شعرها ذهبياً، ناعماً وطويلاً، لا كما في صورها المعهودة. "كانت بمجلة نادين، فوق"، سمعت الناس يقولون، في إشارة إلى دار الشرق الموجودة في البناية نفسها.

قضيت وقتاً لذيذاً بين هواة شغوفين، شباب وفي منتصف العمر، عشاق للكلاسيكيات العربية والأجنبية، الروك، الفولك الديسكو والبروغريسيف. كانوا يختارون لأنفسهم من المجموعة التي واظب شادي على إغنائها بذوق طيلة سنوات (حتى بلغت 5000 اسطوانة)، من خلال ورثة لمكتبات موسيقية قديمة، أسواق التحف وجامعين متمرسين، هم "صيّادة" لهذا اللؤلؤ المرن، ويعرفون أين وكيف يجدونه. يتبادل المدعوون فيما بينهم آخر أخبار الفينلز بحماسة. بعضهم يعد نفسه بليلة سوف يقضيها وحده عندما سيرجع إلى البيت ليكتشف مكنون القرص الذي حصل عليه الآن. وبعضهم يعدّون من أجل سهرة قريبة من أجل الاستماع والاستمتاع. في الحالتين، واضح أن الإصغاء ثقافة لدى هؤلاء، وطقس يُمارس على حدى، على الهَدى.

بعدما استنفد إيلي شهود كل وسائل سماع الموسيقى، راح يفتش عن جديد مختلف يثير شيئاً في النفس. تعرف من غوغل على القديم. أنت، من أجل أن تستمع إلى أسطوانة، عليك أن تخصص لها مكاناً وزماناً تقطعهما من الوقت المجنون.

يعتبر صاحب المتجر الصغير أن الـCD الذي تبتلعه الآلة وتخفيه حرم المستمع من التواصل الحميم والمادي مع الموسيقى، وأن الانتاج الاستهلاكي الغزير قدم الكمية أشواطاً على حساب النوعية. وحدها الأسطوانة تمنح الشعور بحضور صوت المغني. كأنك على كرسيك أمام خشبة المسرح.


في البدء كان نخب الأغنياء من متذوقي الفن يقتنون هذه الاسطوانات. كانوا يشترونها بأسعار غالية ويستمعون إليها يوم الأحد، بعد الغداء، خلال ساعات احتفالية شكلت شيئاً من عادات البرجوازيين الرفيعة. منذ النصف الثاني من القرن العشرين صارت الاسطوانات الوسيلة السمعية الأساسية لتسويق التسجيلات. أتت الأولى منها مكسوة بالزفت، ثقيلة، سريعة الكسر، قطرها 20 أو 30 سنتم. يسميها هواتها: "ديسك 78 تُور" (برمة) لأنها تدور 78 مرة في الدقيقة. تطورت لاحقاً فصارت تُصنع من الفينيل الخفيف، بحجمين أساسيين: أل. پي (لونڠ پلاي للألبومات، بعرض 30 سنتم مع 33 تُور) والسينڠل (لقطعة موسيقية واحدة على كل وجه. عرضه 17,5 سنتم مع 45 تُور).

في الفيرجين ميغا ستورز جناح للأل. بيز. يعرض إصدارات مجددة أو صدرت حديثاً لمغنين وفرق عربية وأجنبية. على ستاند جانبي، تبرق وتلمع فوق الرفوف أسماء لعمالقة من الماضي: "صباح، في أجمل الأغاني" و"وديع الصافي، في أنت القلب". للوسوف وملحم بركات حصتهما فيها أيضاً. وعلى غلاف ألبوم "وشوشني"، ريما خشيش من الجيل الجديد تقف بفستان نيلي وغير متكلف أمام خلفية فوشيا فاقعة وتبرم رأسها بحركة راقصة حرّة. معدل سعر الأسطوانة 37 دولاراً. وهو سعر مقبول مقارنة بما كانت عليه الأسعار في أزمنة سابقة. كذلك، مقارنة مع أسعار النسخ العتيقة والنادرة التي يصل ثمنها إلى مئات الدولارات. أرى في الصالة أيضاً الفينيل بلايرز تأتي بتصميمات بسيطة للغاية أو بخطوط ريترو مركبة. قطع جذّابة وفريدة، تتعدى كونها مجرد آلة باعثة للصوت، تراوح أسعارها بين 300 و600 دولار.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024