السياحة والمهرجانات: قطيعة مع أهالي بعلبك.. ومجانية في زحلة

لوسي بارسخيان

الإثنين 2019/08/05

يبدو البقاع محيّراً مع موسم الاصطياف والمهرجانات هذه السنة. فمن جهة تضج أخبار صفحات التواصل الاجتماعي بنشاطات متنوعة في مركزي المحافظتين، زحلة وبعلبك، ومن جهة ثانية تتشارك المدينتان ومحيطهما الشكوى من واقع اقتصادي مؤلم، يكاد يتسبب بانهيار مؤسسات تجارية وسياحية، لم تعد تملك مقومات الصمود، في مقابل فورة جديدة تشهدها قطاعات خدماتية أخرى، ولا سيما في زحلة.

مهرجان "دولي" مجاني
فبعد تجربة غير موفقة في السنتين الماضيتين مع "مهرجانات دولية لُزّمت لشركات كبرى"، عادت زحلة إلى قديمها في تنظيم مهرجانات الكرمة السياحية محلياً، مع تطعيمها بسهرات فنيّة، أبرزها للفنانة كارول سماحة التي يستضيفها البارك البلدي في 15 آب الحالي تحت عنوان "مهرجان زحلة الدولي"، على نفقة بلدية زحلة، التي باشرت بتوزيع البطاقات مجاناً على الزحليين وضيوفهم.

هو إذاً "مهرجان دولي"، بمعنى استضافة فنانة مشهورة، لكنه محلي، بمعنى إتاحة حضوره للزحليين مجاناً على نفقة البلدية "مراعاة لأوضاع الناس المعيشية"، حسبما قال رئيسها أسعد زغيب، خلال إطلاق برنامج المهرجانات، وأضاف: ولإدخال الفرحة في قلوب غير القادرين على شراء البطاقات.

حياة ليلية جديدة
هذه الحفلة الغنائية ليست وحدها مجانية في مهرجانات الكرمة، التي تستمر لياليها حتى أوائل أيلول المقبل، بل تليها سهرة فنية أخرى لـ"الفرسان الأربعة"، وسبقتها سهرة لميشال رميح، إلى سهرات تطال شريحة الشباب الزحلي خصوصاً، ونظمتها وكالات موسيقية بالتعاون مع البلدية. وهذا في محاولة لإدخال نشاطات عصرية إلى برنامج مهرجانات الكرمة التقليدية، تعكس أجواء الحياة الليلية الناشطة بقوة في الحانات والملاهي، وباتت منذ مدة قصيرة تشكل ظاهرة تبشر بتحول في "دور" زحلة، كنقطة استقطاب أساسية لهواة السهر.

اللافت في مهرجانات الكرمة، هي الرعاية التي حظيت بها من رئيس الجمهورية، بحضوره إلى زحلة لافتتاح يوم العرق، تزامناً مع تدشينه قصرها البلدي. والعرق "صناعة واستهلاكاً" يقع في صلب الحياة الاجتماعية والاقتصادية الزحلية، والذي تبرزه تقاليدها المزمنة، على الرغم من تراجع استهلاكه في أوساط الجيل الشاب.

الانتشار والزهور
ورعاية رئيس الجمهورية يوم العرق الزحلي، قد تشكل تحفيزاً على إعادة تنشيط هذا القطاع، وتسويق إنتاجه في الخارج.. الذي تضع بلدية زحلة عينها عليه في سعيها للمّ شمل "منتشريها" في العالم، وإعادة وصلهم بالمدينة التي انقطعوا عنها، بواسطة "مؤتمر الانتشار الزحلي"، وهو باكورة أعمال "جامعة الإنتشار الزحلي" بدعم من البلدية. وسيجمع من 15 الى 19 آب المقبل، نحو 50 شخصية زحلية ناجحة في الاغتراب، وتُستضاف على نفقة البلدية، مع تأمين برنامج حافل بالنشاطات، ومنها المشاركة على المنصة الرسمية لمهرجان عربات الزهور الذي يقام في 18 آب.

بعلبك الخضراء
وسيكون لمغتربي زحلة محطة في بعلبك، حيث "الصيت" للمهرجات الدولية، التي تصف عضو لجنتها مارتا هراوي الإقبال عليها هذه السنة بـ"الرائع والممتاز"، وخصوصا إقبال المغتربين اللبنانيين والأجانب، إلى جانب اللبنانيين المقيمين. وهو إقبال يوازي بحجمه ما تشهده قلعة بعلبك الرومانية الأثرية من إقبال سياحي كثيف. وهذا تؤكده نقيبة الأدلاء السياحيين أليسار بعلبكي، وتقول لــ"المدن": "في هذه السنة بدأنا نقطف ثمار حملة VISIT LEBANON (زوروا لبنان) التي أطلقتها وزارة السياحة منذ سنة 2016، إلى جانب الانعكاس الإيجابي لتغيير تصنيف السفارات الأوروبية والغربية المدينة من "منطقة حمراء، إلى منطقة خضراء"

لكن ذلك لا يعني، وفقا لبعلبكي، "أننا حققنا هدفنا بالنسبة للبيئة البعلبكية الحاضنة لهذه المقومات السياحية، فذلك يحتاج إلى جهد أكبر وإلى مزيد من الاستثمارات في المدنية، وإلى بنية تحتية، يحتاج تجهيزها الى وقت. وذلك لإقناع السائح بألا تقتصر زيارته المدينة على المعالم الأثرية فقط".

البعلبكيون ساخطون
ولا يبدو البعلبكيون "ممنونون" من أعداد السواح المتزايدة في مدينتهم. فحسين زين رئيس جمعية SAFE SIDE التي تنشط في تسويق الصورة "الجميلة" للمدينة، تحدث عن "فشل" كبير في تنظيم "مهرجانات بعلبك الدولية"، وفي إدارة مرفقها السياحي الأساسي: القلعة. فالبعلبكيون مجرد "متفرجين على السياح الذين يرونهم يأتون ويغادرون، من دون أن تنعكس حركتهم، ولو تحسناً جزئياً في الحياة الاقتصادية بالمدينة".

ويرى زين أن لجنة مهرجانات بعلبك لا تهمها المدينة. فهي – بحسبه - لم تُشكَّل أساساً من أبنائها، ولا تبدي أي انفتاح على اقتراحات الهيئات الأهلية لخلق تفاعل بين حركة الرواد والبيئة البعلبكية الحاضنة لهم. وأضاف زين: "اقترحنا عليهم عرض فيلم قصير قبل كل حفلة، يعرّف بتقاليد المدينة ومطاعمها وأسواقها، فرفضوا وطلبوا المال في مقابل ذلك. واقترحنا عليهم تغيير خط سير الحافلات التي تنقل الرواد، ليتسنى لهم التعرف إلى معالم المدينة قبل وصولهم إلى القلعة، فرفضوا أيضاً. حتى أنهم لم يقيموا حفلة أولى لأهل البلد، على ما درجت العادة، وكان يفترض أن يقدمها مارسيل خليفة. ولما لمسوا اعتراض البعلبكيين الواسع، قدموا لهم حفلة أحيتها جاهدة وهبه، التي حُشرت مشاركتها في واحدة من السهرات مع عازف العود عمر بشير، وفشلت تنظيمياً". وربما تجدر الإشارة هنا إلى أن سوء التفاهم – بل الجفاء والقطيعة – بين سيدات لجنة مهرجانات بعلبك الدولية وأهالي المدينة "تاريخية" وتعود إلى "الزمن اللبناني الجميل" ما قبل الحرب.

ويسجل زين عتباً على وكالات السفر السياحية التي تضع خطة سير واحدة لرحلاتها البقاعية: زيارة قلعة بعلبك للتعرف إلى معالمها الأثرية التاريخية، والانتقال السريع - من دون إنفاق قرش واحد في المدينة - إلى خمارات كساره التراثية في زحلة، ومنها إلى مطاعم عنجر للغذاء. وهكذا تُحرم حتى زحلة ومطاعمها من الاستفادة من خط سير هذه الرحلات، بحسب زين. وهذا أيضاً ما كان سائداً في زمن ما قبل الجرب.

سياحة غير نمطية
أشار زين إلى أن جمعيات المجتمع المدني في بعلبك "تحارب باللحم الحي". فبعض الناشطين انضم إلى جمعية SAFE SIDE التي "نجحت في ثلاث سنوات من الجهد المضني، في استقطاب 3500 سائح من بلدان العالم، استهوتهم الحياة المحيطة بالقلعة، فتعرفوا إلى بعلبك وأهلها وتقاليدهم وأسواقها، وإلى معالم أثرية لا تقل أهمية عن القلعة، واستمتعوا بصحبة أهل المدينة الأدرى بمدينتهم، ونقلوا تجربتهم إلى سواهم الذين أبدوا اهتماماً جديداً للتعرف على هذه النواحي من المدينة".

وأسف زين لبقاء بعلبك محاصرة بصورة نمطية لدى البنانيين الذين يتجنبون زيارتها، إما بسبب أخبار أمنية مضخمة عن المدينة، أو بسبب أفكار مسبقة عن طبيعة مطاعمها التي يقولون إنها لا تقدم المشروبات الكحولية، أو أن أطباقها مكررة في المطاعم كلها.. وأشار زين إلى وجود مطعمين بعلبكيين يقدمان الكحول، وإلى التنوع في الأطباق التي يمكن أن تضاهي أطباق أفخم المطاعم في بيروت. أما ما ينقص المدينة - حسب زين - فهو التسويق الإيجابي لصورتها، في موازاة الجهد المحلي الذي تبذله الهيئات الأهلية، ومحافظ بعلبك بشير خضر، الذي تبدو نتائج جهوده مع  السفارات الغربية أكثر إيجابية منها في أوساط اللبنانيين المدعوين لزيارة بعلبك بأعداد أكبر.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024