"بيروت مدينتي" في المصيطبة: كانت جميلة صارت بشعة

حنين شبشول

الأحد 2016/04/17
لم يكن مألوفاً لسكان منطقة المصيطبة أن يجدوا فيها "حديقة عامة" يقصدونها لقضاء بعض الوقت. لكن اللافت أن حملة "بيروت مدينتي" وجدت هذه الحديقة بأشجارها القليلة وأرضيتها الاسفلتية واستعملتها، مساء السبت، في نشاطها الأسبوعي "مساحة نقاش". مع ذلك، بدا الحضور ضئيلاً، أقله في بداية النقاش، ثم وصل عدد المشاركين إلى نحو 60 شخصاً أغلبهم من سكان المنطقة، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من متطوعي الحملة وممثليها، الذين اهتموا بالرد على أجوبة السكان وبفتح نقاش في شأن الحلول التي يفكرون فيها.


منقطة بشعة
حضور كبار السن في الجلسة، كان له وقع جميل، إذ استرجعوا ذكريات المصيطبة. فهذه المنطقة "البشعة" اليوم، بحسب أحد الحاضرين، كانت في الماضي من أجمل المناطق البيروتية. فهي سميت بهذا الاسم لأنها كانت امتداداً صخرياً للبرية، ولارتفاعها عن مستوى المدينة. ففي الماضي، كانت أشبه بقرية ببيوت قرميدية ومناخ معتدل، حيث كانت العائلات البيروتية تقصدها صيفاً. "إللي شعراتن بيض بس بيعرفوا كيف كانت المصيطبة"، يقول أحد الحاضرين، وهو وُلد وعاش في المنطقة. ويروي كيف كانت خضراء، والأشجار، كشجر الفتنة والأكيدنيا والليمون، وشجرة الكولونيا التي كانت تفوح رائحتها في جميع الأرجاء.

يتفق كثيرون على أن المشكلة الأساسية التي يعانون منها اليوم هي مشكلة العمران العشوائي الكثيف الذي حصل بعد الحرب، والشوارع التي شوهت النسيج العمراني. فـ"الباطون في المنطقة يغمي عالقلب". وقد باتت المصيطبة من أكثر المناطق ازدحاماً في بيروت، لما فيها من مبان مرتفعة، وجامعة ومدرستين  ومساجد ومجمع كنائس ومحال تجارية. "وما زاد الطين بلة"، في رأي الحضور، هو جسر سليم سلام، الذي عدا عن أنه سبّب تدمير بيوت كثيرة، فصل المنطقة عن مناطق أخرى كالمزرعة، وغيّر نمط الحياة فيها. عدا عن مساهمته في زيادة التلوث والإزدحام بسبب أعداد السيارات والدراجات النارية التي تمر عليه. وهذا التغيير كله أدى إلى ارتفاع أسعار الإيجارات بشكل يفوق قدرة السكان المادية.

الاكتفاء الذاتي
تحدثت إحدى الحاضرات عن حبها لهذه المنطقة، بسبب سهولة العيش فيها. فهي ليست مجبرة على مغادرتها لشراء حاجياتها اليومية. ويؤيدها أحد الحاضرين بفكرة "الاكتفاء الذاتي"، ففيها كل أنواع المحال والمتاجر من ألبسة وطعام وحلاقين ونجارين وسوق خضار، إلى آخره. لكن من جهة أخرى يعاني السكان من نقص في المستوصفات والمستشفيات، ما قد يشكل خطورة على حياتهم فيها، ونقص المساحات العامة الخضراء، وغياب المكتبات العامة، في منطقة تضم جامعة ومدرستين.

أما الوضع الأمني في المنطقة فقد حاز جزءاً كبير من النقاش. وروى العديد من السكان قصصاً لحوادث سرقة ونهب حصلت معهم بسبب وجود بعض "الزعران" التابعين لأحزاب وقوى سياسية. وهنا لفت البعض الانتباه إلى أن أحد أسباب المشكلات الأمنية هو انقطاع الكهرباء الدائم في المنطقة، خصوصاً عدم إنارة الطرق والزواريب الضيقة التي تشكل خطورة عليهم. وشدد الحاضرون على كيفية استغلال البعض للأرصفة من أجل عرض بضاعة أو فتح "اكسبرس" أو "قهوة أراكيل" من دون أي ملاحقة قانونية.

وفي مداخلة لطفلة في العاشرة من عمرها تقريباً، عمّا تحب في بيروت، لم تستطع أن تحدد مكاناً، بل قالت إنها تكره رائحة النفايات المتفشية في كل مكان. ومشكلة النفايات في المصيطبة ليست جديدة، بل يعاني السكان منذ فترة طويلة منها، من دون أن تقوم لا البلدية ولا شركة "سوكلين" بمعالجتها.

إعرف حقك
كان مندوبو الحملة، خصوصاً منى فواز ومنى حلاق، جاهزين للاجابة عن أسئلة السكان وطرح الحلول التي لديهم. فأكدت فواز أن إضاءة المدينة هي أول خطوة باتجاه الأمن، وأنها ستكون من أولويات الحملة. وطرح بعض المهندسين المتطوعين مع الحملة أفكاراً حول إمكانية تحسين مشكلة العمران، ومن جهة أخرى، استعادة جسر سليم سلام وإعادة تملكه كما يحصل في العديد من دول العالم، ما قد يخفف من أزمة السير والضجيج. "ما بتعرف شو حقك ما بتعرف شو راح عليك"، تقول حلاق، مشيرة إلى أهمية معرفة المواطنين بحقوقهم من أجل المطالبة بها.

لكن، إذا كانت حماسة السكان واضحة، عبر مشاركتهم في طرح الحلول أو تأكيدهم اهتمامهم بالتعاون مع البلدية المقبلة، فإن المشكلة الأبرز تكمن في أن أغلب سكان المصيطبة مسجلون في قرى أخرى. وهم إذا كانوا يستفيدون من خدمات البلدية، فإنهم محرومون من التصويت لاختيار مرشحيهم، بحسب القانون.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024