الثورة أمام السفارة: اختبار الشائعات والصلابة

أيمن شروف

الأربعاء 2019/11/13

أمام السفارة الفرنسية في بيروت، تجمع عدد من المواطنين، شابات وشباناً تداعوا "رفضاً للتدخل الأجنبي" في شؤون بلادهم. خلفية هذه الدعوة للتظاهر، تسريبات وشائعات "صحافية"، تتحول شيئاً فشيئاً لتكون ممنهجة بأهداف واضحة تماماً: تشتيت انتباه من افترش الساحات من أجل المطالبة بحق العيش، ومحاسبة من أوصلهم إلى ما هم عليه اليوم من بؤس على المستويات كافة.

إسقاط سايكس – بيكو!
شعارات كثيرة رفعها من كان أمام السفارة. رفعوا أصواتهم لتصل إلى الداخل البعيد، والمحمي بأعداد كثيرة من عناصر مكافحة الشغب. رددوا هتافات الثورة، وبعضهم استغلوا الفرصة والمكان ليذكروا بقضية جورج إبراهيم عبدالله المعتقل في السجون الفرنسية. قضية لطالما اعتبرها اليساريون عموماً والشيوعيون تحديداً، مفصلية في التعاطي مع الفرنسيين.

المشهد أمام السفارة الفرنسية مشابه تماماً لمشاهد الاعتصامات المتنقلة في بيروت، هتافات ثورية، وجوه غاضبة تريد أن تعبّر عما يكتنزها. وجوه تريد أن تُخرج ما في داخلها من غضب مكبوت، أتت الثورة لتعطيهم مساحة كانوا يبحثون عنها طويلاً، وجدوها وها هم يستغلونها إلى أبعد حد. إلى حد المطالبة بإسقاط "سايكس بيكو"، وأميركا وفرنسا وكل من يريد أن يتدخل في شؤونهم، لا بل كل من تدخل ولهم معه رواسب الماضي اللبناني المفتوح على كل يد خارجية، وجدت في الكثير من الأحيان المنفذ للدخول إلى مساحته الصغيرة هذه.

زرع الشقاق
التجمع أمام السفارة الفرنسية، يأتي في خضم معركة شائعات تشترك فيها أبواق السلطة، وتحديداً مؤسسات إعلامية لها أجنداتها البعيدة عن الناس وهمومهم. أجندات انقلبت بين ليلة وضحاها، بعد خطاب زعيم لم يُعجبه كثيراً أن هناك من يطالب بحقه بحياة كريمة، لأن هذا المطلب يتنافى الآن وفي هذا الوقت بالذات مع مشاريع حزبية، بارتباطات إقليمية وأجندات بعيدة كل البعد عن أولئك الناس، الذين تجمهروا أمام السفارة الفرنسية، والذين إلى الأمس القريب كانوا "مع المقاومة" قبل أن تنقلب الأخيرة على ما اعتقدوا أنها مبادئها.

هذه الشائعات، التي رافقت وصول مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو إلى بيروت، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. هي تأتي لتُكمل حملة تسريبات متعمدة، تعمل باتجاهين: الأول زرع الشقاق بين المجموعات الثورية حول من يريد أن يُمثل الناس ويتحدث باسمهم، والثاني إغراء بعضهم الآخر بمكاسب ومناصب، بهدف إيجاد رأس واضح للمنتفضين والانقضاض عليه سريعاً. وهو ما تُجيده أحزاب اعتادت الجلوس على الكرسي لعشرات السنين، وهي اليوم وللمرة الأولى تشعر بالتهديد، تهديد جدي لا تعرف إلى الآن كيف تتعاطى معه.

التسرّع
الاعتراض أمام السفارة الفرنسية، يفتح الباب أيضاً أمام عفوية المنتفضين، ورد فعلهم اللحظوي، والذي كان يُحسب لهم في الكثير من الأحيان، لكنه أيضاً قد يُحسب عليهم في أحيان أخرى. إذ يقود التسرّع كما حصل اليوم إلى تحويل رد الفعل هذا إلى عنصر سيعمل مُريدو إنهاء الثورة إلى اللعب عليه من أجل خلق بلبلة مقصودة، تضيع بوصلة الناس، فيما أركان السلطة إلى الآن لم يقدموا أي شيء يُذكر سوى المماطلة، والتي لا تأتي إلا لسبب أنهم عاجزون عن اجتراح الحلول، وبالتالي، يُصبح هذا التسرع سبب خسارة الشارع لكل ما حققه إلى اليوم.

وبين هذا وذاك، يبقى هناك من يرغب فعلياً بأن يكون ممثلاً عن الناس. ولكل واحد من هؤلاء غاية مختلفة. منهم من يريد الظهور ومنهم من يحمل أجندة أحزاب السلطة. بعضهم على سبيل المثال يجتمعون مع حزب الله والعونيين وغيرهم، وينسقون معهم تحت عنوان إيجاد قيادة موحدة للناس وهو ما يُسهل التخلص من الثورة. هؤلاء إلى الآن لا داعٍ لمواجهتهم أو فضحهم. الناس في الساحات تعرفهم جيداً. هي من اليوم الأول بدأت بنبذهم، وستستمر بالصلابة ذاتها. 17 تشرين التاريخ الفاصل بين حال الوعي وكل ما سبقه من سلبيات.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024