توقيف رئيس "مصلحة سلامة الطيران": فساد المطار وسوء سمعته

نادر فوز

الخميس 2020/11/19
يبدو أنّ محاربة الفساد بدأت من مطار رفيق الحريري الدولي، وتحديداً من مصلحة سلامة الطيران، التي أصدر اليوم قاضي التحقيق الأول في جبل لبنان، نقولا منصور، قراراً قضى بتوقيف رئيسها عمر قدوحة عن العمل ومنعه من السفر. ويأتي قرار منصور بناءً على جرم "الاستغلال الوظيفي وهدر المال العام وابتزاز عدد من شركات الطيران خلال ممارسة قدوحة لصلاحياته الوظيفية، ما نتج عنه تغريم الدولة اللبنانية مبالغ تخطّت 50 مليون دولار كتعويض للشركات المتضررة من جراء قراراته". وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنّ النائب العام المالي، القاضي علي إبراهيم، ادّعى على قدوحة يوم 6 تشرين الثاني 2019، أي قبل عام، بجرم اختلاس أموال عامة وقبول رشى. لكن من هو عمر قدوحة؟

سيرة قدوحة
سيرة عمر قدوحة الوظيفية في مطار بيروت، تعود إلى مطلع الألفية، حين كان في وظيفة إطفائي. وهي وظيفة من الدرحة الرابعة وغير إداري. وحسب من يقدّمون هذه الرواية، يقولون لـ"المدن" إنّ "دخول تلك الوظيفة يستوجب شهادة بريفيه، لكن قدوحة ذكي ومثابر ونشيط جداً، وخلال فترة عمله، درس في المعهد الفني في الدكوانة، وحاز على الـBT والـTS". طوّر قدوحة نفسه، مهنياً وعلى المستوى التعليمي، و"تلقّى الدعم اللازم من المدير العام السابق حمدي شوق الذي تبنّاه". وعام 2010 أجريت مباراة في مجلس الخدمة المدنية لتوظيف رؤساء دوائر في مصلحة سلامة الطيران، ونجح فيها ثلاثة، أحدهم عمر. فتمّ تثبيته في وظيفته كرئيس دائرة، وبات موظفاً من الفئة الثالثة. وثم بات رئيساً لمصلحة سلامة الطيران.

تكليف وإقالات
إلا أنّ سيرة قدوحة في موقع رئيس مصلحة سلامة الطيران يشوبها الكثير من الأخذ والردّ. ومع تغيّر الوزراء في وزارة الأشغال العامة والنقل، عام 2011 أعفى الوزير غازي العريضي قدوحة من مهامه، وتمّ تعيين موظف آخر بلغ سنّ التقاعد بعد أشهر. ثم أعاد العريضي تكليف قدوحة في منصبه واستمرّ فيه لثلاث سنوات. وعام 2014، خلال ولاية الوزير غازي زعيتر، وقع خلاف بين قدوحة والأخير، فتمّت تنحيته وتم تعيين روي مطر في الموقع، إلى أن أعاد زعيتر تعيينه رئيساً للمصلحة عام 2015. في كل هذه السيرة، لعبة داما، مسموح فيها التنقّل يساراً ويميناً. وهو ما يشكف وجود قطب مخفية، تبدأ بالأهواء السياسية ولا تنتهي بالمصالح الشخصية، مروراً بالمحاصصة.

التحايل والفساد
يعدّ عمر قدوحة محسوباً بشكل أو بآخر على تيار المستقبل، فربما للتجاذبات السياسية أو حتى الشخصية أن تكون قد لعبت دورها في سيرته الوظيفية المتقلّبة في مصلحة سلامة الطيران. أما سيرة عمل مصلحة سلامة الطيران ففيها الكثير من الثغرات التي يمكن للوزير أو المدير العام اللعب من خلالها، لمنح شركات الطيران أذونات أو فرص أو حتى الوقت الكافي للعمل. ويمكن توظيف هذه الثغرات لشدّ اللجام على الشركات أو تسهيل عملها. وكل هذا لا يعفي قدوحة طبعاً من مسؤولياته، لا من إمكانية تورّطه بملفات فساد فقط. إذ تشير مصادر مطلّعة على أجواء مطار بيروت إلى أنّ "وظيفة قدوحة تتيح له بعض الفرص غير المباشرة لقبض الأموال. إذ أنّ لا مال فعلياً في المصلحة، لكن بإمكانه التحايل والاتفاق مع بعض الشركات على نقض ترخيصاتها ودفعها إلى رفع دعاوى على الدولة لتقاضي التعويضات، فيحصل على نسبة من الأرباح". قد يكون ذلك صحيحاً، إلا أنه بالطبع لا يعفي سائر المسؤولين في المطار، وتحديداً مرؤوسي قدوحة من المسؤولية.  

هامش اللعب
للدلالة على هامش "لعب" المدراء العامين والوزراء في المطار، موضوع منح شركات الطيران التراخيص. إذ يصدر الوزير ترخيصاً مبدئياً للشركات، على أن تقوم بسلسلة خطوات خلال عام لنيل الترخيص الكامل. ومن هذه الخطوات الحصول على طائرة على الأقل، وتسجيلها والقيام بالتوظيف وغيرها من الخطوات. وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ الوزير السابق يوسف فنيانوس، تدخّل في إحدى المناسبات لإعطاء أذونات لإحدى الشركات اللبنانية، محاميها نجل شخصية سياسية لبنانية مهمة (تحاضر بمحاربة الفساد). كما أنّ فنيانوس أيضاً، "عبّر أكثر من مرة عن رغبته في التساهل مع بعض الشركات المحسوبة على حزب الله، ومنها شخصيات سورية، داعياً الجسم الإداري في المطار إلى تسهيل عملها". يضيف المطلّعون على أجواء المطار لـ"المدن" إنّ "قدوحة لم يكن متساهلاً مع هذا الأمر، حتى أنه طلب إعفاءه من هذا الموضوع بعكس ما تقوله صلاحياته". فتمّ تشكيل لجنة، خلافاً للقانون، للعمل على منح تراخيص هذه الشركة.

فساد عمر قدوحة أو عدمه، يحدّده القضاء وتحكي عنه سيرته الوظيفية. إلا أنّ ملف مطار رفيق الحريري، يفتّح العين على مسرب فساد أساسي، منظّم وغير منظّم، سبق ودخلت إليه شبهات بتبييض الأمول وتهريب السلاح في صحف غربية عديدة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024