يوميات من لم يصدّق ارتفاع سعر صرف الدولار

وليد حسين

الأحد 2019/10/13
كنت حتى مساء البارحة غير مصدق أن سعر صرف الدولار ارتفع  في السوق إلى تلك الأرقام المتداولة. هذا على الرغم أنني كتبت أكثر من خبر عن أزمة سعر الصرف. أخبار تقول إن سعره وصل إلى مستويات غير مسبوقة منذ سنوات كثيرة، ظاناً في قرارة نفسي أن ما هو حاصل مجرد شائعات. وعندما صادفت إحدى الزميلات في مصرف، وأخبرتني أنها حولت أموالها من الليرة اللبنانية إلى الدولار بسعر فاق 1600 ليرة للدولار الواحد، راودتني مشاعر بوجود أزمة حقيقية، لكنني بقيت في مكان ما غير مقتنع بما أتفوه به وأسمعه عن أزمة سعر الصرف في أحاديثي مع الأصدقاء.

الصرّاف وبائع السجائر
حديثي مع صديقين عن الدولار وسعر الصرف، وعن صرفهما دولارات بحوزتهما بسعر 1590 ليرة، قادني إلى صراف في شارع الحمراء لاستبدال مئة دولار كانت بحوزتي: "المئة دولار بـ 156 ألف ليرة"، قال العامل الواقف على باب محل الصيرفة، رداً على سؤالي. التقطت المئة دولار لتسليمها إلى الصراف فرحاً بالرقم الذي سمعته، وتمالكني شعور غريب بانتصار ما، خصوصاً أنني لم أصرف يوماً المئة دولار بأكثر من 150 ألف ليرة. لكن فرحتي بتجربتي الأولى مع الصرافين، منذ أزمة سعر الصرف، لم تكتمل، إذ احتجّ أحد صديقي قائلاً للصراف: "غير صرافين عم يصرفوها بـ 159 ألف، رح نجرّب مع غيرك".

قبل ساعة من هذه الواقعة مع الصراف كنت قد اشتريت علبة سجائر، وطلب البائع ثمنها 2500 ليرة، رغم أنها من إنتاج شركة الريجي وسعرها الرسمي 2250، حسب الشريط اللاصق عليها. لم أجادل البائع، بعكس البائع الآخر بجانب مستشفى الجامعة الأميركية قبل يومين، إذ طلب ثمن علبة السجائر نغسها 2750 ليرة. فعندما احتجيت على هذا السعر، قال: "شو بدي إعمل سعر صرف الدولار علينا زاد"، فعاجلته بأن هذه السجائر مسعّرة بالليرة اللبنانية، ولا علاقة لسعرها بالدولار لأنها صناعة وطنية تنتجها الريجي، فأصر على السعر قائلاً: "إذ مش عاجبك فتش ع غير محل".

غبار البيت
قبل حوالى أسبوعين كنت في المطبخ أعدّ وجبة العشاء، فتيقنت من نفاذ رُب البندورة. طلبت من السيدة الأثيوبية التي تساعدنا في المنزل بأن تحضر لي علبة صغيرة من دكان المحلّة، وكنا نشتريها عادة من السوبر ماركت بـ250  ليرة. لكن السيدة الأثيوبية عادت بعلبة رُب البندورة بعدما دفعت ثمنها ألف ليرة إلى صاحبة دكان في المحلّة.

بعد يومين صادف مروري بجانب هذا الدكان، فاحتجيت لدى صاحبته أن لا تستغل جهل السيدة الأثيوبية بالأسعار مرة ثانية. لكن صاحبة الدكان عاجلتني: "غلّوا علينا الأسعار بسبب الدولار وصار سعرها عليي 750 ليرة".

قد يقول قائل إن ما يقوم به التجار الصغار وأصحاب الدكاكين يأتي في إطار الطمع واستغلال أزمة سعر الصرف وما يعيشه اللبنانيون من قلق وهلع في الآونة الأخيرة، طالما أن جميع المسؤولين يطمئنون بأن لا أزمة حقيقية تعيشها الليرة. لكن التفلت في سعر الصرف فرض سعر صرف واقعي للدولار يوازي ما هو متداول به حالياً، بفعل سوق العرض والطلب. فهل لنا أن نسأل عن الأسباب التي تدفع الصرّافين إلى شراء الدولار بـ 1590 ليرة، وأين يذهبون بها وبأي سعر يبيعونها لاحقاً؟ فالمنطق التجاري يفترض وجود شارٍ لتلك الدولارات بسعر أعلى من الذي يدفعه الصرّاف للناس. لذا وفي ظل هذه الدورة الاقتصادية لدولارات السوق، هل يبقى من داع لطرح السؤال عن سبب ارتفاع أسعار السلع؟ وهل نلقي اللوم على التجّار؟ أم أن الأزمة موجودة، وتتفاعل، ويتعاطى معها المسؤولون كمن يكنس غبار بيته ويخفيه تحت السجادة؟      

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024