سكّان المناطق الحدودية اللبنانية المُهمَلون أكثر ميلاً للوطنية!

صفاء عيّاد

الأحد 2019/05/12
لا نعرف الحدود الشمالية والجنوبية إلّا أثناء وقوع أحداث أمنية عليها. فالحدود الجنوبية تُستذكر عند كل تهديد إسرائيلي، والحدود الشمالية من خلال الأحاديث عن الأزمة السورية والاشتباكات التي اندلعت  أثناء الحرب السورية. لكن ما أن تُطفىء كاميرات الصحافيين ويصمت أزيز الرصاص، تعود حياة السكان إلى طبيعتها ولا يكترث أحد لهم. فهل فكرّ أحدكم يوماً كيف يعيش سكان المناطق الحدودية، وما هي قصصهم، وكيف يتدبرون شؤونهم معيشتهم، أو كيف يقضون يومياتهم؟ هذه التفاصيل الحياتية للمناطق الحدودية، وثّقها مركز أبحاث العالم العربي المعاصر في الجامعة اليسوعية، بالشراكة مع الباحث السويسري  Daniel  Meier والمصور الصحافي حسين بيضون، في معرض صور توثيقي يعرض حالياً في الجامعة اليسوعية.

الصورة تحكي
يشمل المشروع ناحية بحثية قام بها الباحث السويسري، فيما قام بيضون بتوثيق الصورة وجعلها عفوية، ومن دون مبالغة، لحياة الناس على الحدود. فالصعوبة الأولى التي واجهها بيضون هي في فصل عمله الصحافي عن العمل التوثيقي، كما قال في حديث إلى"المدن"، مضيفاً "أن مفهوم الصحافة المتداول هو البحث عن القصص غير المألوفة لحصد الريتينغ، من خلال تقديمها مصوّرة أو عبر الفيديو، فيما التوثيق هو أن تترك الصورة تحكي عن صاحبها من دون أي مبالغات".
تقصّدت الصور الملتقطة بعدسة بيضون، أن تكون في "الأماكن الخاصة والآمنة" بالنسبة للسكان الحدوديين، أي في منازلهم، وفي حقولهم الزراعية، وحتى في سياراتهم. وحسب مشاهدات بيضون والصور المعروضة، يتشابه سكان الحدود بواقع غياب الدولة عن يومياتهم، وتغزو أفكارهم الصور النمطية التي يصعب كسرها. فسكان الحدود الشمالية، يجهلون حياة سكان الحدودية الجنوبية.

تنميط السكّان
يعيش سكان القرى الشمالية حالة من التناقض منذ اندلاع الأزمة السورية. فقبل تلك الأزمة كانوا يفضّلون الدخول إلى القرى السورية لتبضّع حاجياتهم، على الحصول عليها من المدن اللبنانية، كونها أقرب جغرافياً إليهم. لكنهم اليوم  باتوا يطالبون  بوجود القوى الأمنية، وانتشارها على الحدود لضمان الأمن، حتى لو أن وجودها لن يحل أزماتهم المعيشية وصعوبات حياتهم المنسية. بينما تروي صور الحدود الجنوبية معاناة العديد من القرى مثل القليعة وعين إبل، التي ترزح تحت وطأة الصورة النمطية أنهم "عملاء". وهذا الموضوع  ما زال يثير النعرات بين أهالي الجنوب حتى هذا اليوم. ووفق بيضون، الجامع المشترك بين الحدودين هي "الوطنية"، التي تتجذر في أهاليها، وارتباطهم بالأرض. فأغلب من التقطت لهم الصور "لم تخلو كلماتهم من الأرض، والتراب والدفاع عن الحدود".
أكثر صورة خدعت الحاضرين في المعرض، هي صورة رجل خمسيني يجلس في بيته، حيث تتوسط الحائط الخلفي صورة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله. فللوهلة الأولى تظن أنها صورة لأحد الجنوبيين "الذي يعتز بانتمائه السياسي". لكنها مأخوذة لرجل من آل الحجيري في عرسال، يجاهر بانتمائه المقاوم، وبأنه وضع الصورة إبان حرب تموز 2006، ولم تنزع من جدار منزله بالرغم من الأحداث الأمنية التي عصفت بمنطقة عرسال.

معزولون ومبعدون
أما الشق البحثي الذي قام به الباحث Meier، فكان في البداية عبارة عن اهتمام شخصي بالحدود في الشرق الأوسط، التي كانت ومازالت قيد الدراسة، وفق حديثه إلى "المدن". أما دوافعه الأخرى فكانت بسبب إهتمامه في الشؤون اللبنانية، وسكنه في لبنان، منذ أكثر من عشرين عاماً، وجولاته المتعددة في المناطق الحدودية. إذ يعتقد أن القاطنين على الحدود أناس مهمشون، لكنهم في الحقيقة مواطنون لبنانيون يتطلعون لرؤية الدولة تعمل في مناطقهم أكثر، وتهتم بالأماكن الحدودية، ليعود ذلك بالفائدة على المجتمع المحلي من النواحي الاقتصادية والإنمائية. كما أن هدفه من خلال ورقته البحثية هو محاولة تغيير "النظرة تجاه سكان حدود" الذين يشعرون  بأنهم معزولون عن الآخرين ومبعدون عن  الاهتمامات  المحلية، باستثناء العملية الانتخابية.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024