فريق الإنقاذ التشيلي وكلبته: من أتى بهم؟

وليد حسين

الجمعة 2020/09/04
هو أشبه بمخاض ولادة كان يشاهده كل اللبنانيين مباشرة على هواء. محاولة العثور على أحياء تحت ركام بيروت، بعد شهر على انفجار المرفأ. كانت أشبه بولادة أمل بالحياة. أو معجزة في بقاء أحدهم على قيد الحياة تحت أنقاض أحد مباني الجميزة، بعد مرور هذا الزمن الطويل.

من أقاصي الأرض
فريق إنقاذ أتى من تشيلي منذ أيام، أعاد للبنانيين الأمل في وجود أحياء في المقتلة التي ألمت بهم منذ شهر بالكمال والتمام. فريق إنقاذ (توبوس تشيلي) يأتي أقاصي الأرض بدافع المغامرة وحب المساعدة. أتوا غير مكترثين أين سيمكثون ومن سيستقبلهم في لبنان. واكتشفوا عن طريق الصدفة وجود جثث وإمكانية وجود أحدهم على قيد الحياة، بينما كان يجولون في تلك المنطقة بعد شهر على الانفجار، فيما لم يبق من جهة أو مسؤول لبناني إلا وجال في تلك المنطقة متفقداً الأضرار. فريق أتى من خلف البحار مزوداً بكلبة مدربة على البحث عن أحياء تحت الأنقاض. فعلت ما لم تفعله دولة بكل أجهزتها طوال الشهر الفائت. 

تسمر جميع اللبنانيين خلف شاشات هواتفهم والتلفزيونات ينتظرون ما ستؤول إليه عمليات البحث عن أحياء منذ يوم أمس. وما خطف أنفاس اللبنانيين وزاد من غضبهم توقف عمليات البحث، بأمر من الجيش اللبناني، يوم أمس الخميس، بعدما تبين وجود حائط آيل إلى السقوط قد يهدد سلامة فريق الإنقاذ التشيلي. وقد استدعى هذا التوقف احتجاجاً شعبياً استمر حتى منتصف الليل، خصوصاً أن وقف فرق الإنقاذ عن العمل، أتى بسبب عدم توفر رافعة لمساندة العاملين. لكن المواطنين وبفعل غياب دولتهم ومسؤوليهم أحضروا بأنفسهم الرافعات، وعاد الجيش اللبناني وأرسل فرق الهندسة واستأنف العمل من جديد بعد منتصف الليل.

شرطة البلدية ترفع سلاحها!
وصباحاً وبعدما استمرت عملية البحث ببطء، استخدمت فيها بعض الآليات لرفع الأنقاض، تعرض فريق الإنقاذ لمضايقات من شرطة بلدية بيروت. فالفريق القادم من خلف البحار هو الوحيد المتخصص بهذه الحالات، ومجهز بمعدات غير متوفرة في لبنان. لكن شرطة البلدية ووجود جهات متعددة وضعت أنفها في عملية البحث هذه، أدت إلى إشكاليات وقعت بينهم وبين فريق الإنقاذ حول طريقة العمل، أدت إلى توقف التشيليين عن العمل لأكثر من ساعة. 

ووفق شهود عيان وبعدما وصلوا برفع الأنقاض إلى سطح الطابق الأولى حصل تباين في وجهات النظر بين الفريق التشيلي وشرطة بلدية بيروت والدفاع المدني. فالفرق اللبنانية تريد عمل ما تراه مناسباً، ومن دون وجود تنسيق، حتى أن إشكالاً وقع بينهم، رفع خلاله عناصر الشرطة السلاح!! وهذا أدى إلى اعتكاف الفريق التشيلي. لكن بعد طلب ضمانات بعدم التدخل في عملهم عادوا واستأنفوا البحث من جديد. 

جمعية أشرفية 2020
وفي التفاصيل ومنذ نحو 15 يوماً أبدى فريق الإنقاذ التشيلي، وهو منظمة غير حكومية شارك في دول عدة في عمليات الإنقاذ، وله خبرات واسعة في هذا المجال، رغبته بالقدوم إلى لبنان للمساعدة في رفع الأنقاض والبحث. وتواصل مع أعضاء الجالية اللبنانية والسفارة اللبنانية. وحضر الفريق إلى لبنان يوم الأحد الفائت واستقبلهم في مطار بيروت أعضاء جمعية أشرفية 2020. فعندما وصل الفريق إلى إسطنبول تواصلوا مع رئيس الجمعية أكرم نعمة، وأبلغوه أنهم سيكونون في غضون ساعات قليلة في بيروت، ولا يعلمون أين سيمكثون. ووفق ما أبلغ "المدن" عمل على تأمين أماكن إقامة لهم بعدما تبين أن لا أحد من المسؤولين في الدولة حضر لاستقبالهم. وتواصل نعمة مع أكثر من جهة ومسؤولين لتأمين إقامة لهذا الفريق. لكن لم يعر أي منهم أي اهتمام. لكن عندما بدأ الفريق عملية البحث وضجّ الرأي العام بإمكانية وجود أحياء، بدأ الجميع بتبني هذا الفريق لاستغلاله سياسياً وانتخابياً، كما قال نعمة. 

كان يفترض أن يتسلم الجيش اللبناني هذا الفريق المتخصص بالإنقاذ، لكن حصل سوء في التنسيق وحضر الفريق إلى المطار من دون معرفة الجهة ولا المكان الذي سيتوجهون إليه كما أبلغ المسؤول عنهم، نعمة. فعمل الأخير على تأمين المنامة لهم والمأكل والمشرب. ويوم الخميس وبينما كان أعضاء الفريق يسيرون في شارع الجميزة التقط الكلب الذي يرافقهم إشارة بوجود جثث وأحياء تحت ركام المبنى. واستخدم الفريق أجهزة متخصصة وتبين لهم وجود نبض شخص ما تحت الركام، وهذا أعطى أمل بوجود شخص حي. فبدأت عمليات بحث يدوية استمرت حتى ساعات متأخرة من يوم أمس، وتوقفت بسبب وجود حائط متداعٍ وعدم توفر رافعة لاسناده. 

عون يصحو
الغضب الشعبي الذي أتى بعد وقف البحث وعملية الإنقاذ، بسبب عدم وجود رافعة مساء الخميس، جعل رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب يطلب العودة إلى استئناف البحث بعد منتصف الليل. أما رئيس الجمهورية ميشال عون فصحى من غفوته. وبعد مرور ساعات على استئناف البحث، أعلن أنه يتابع مجريات عملية البحث عن مفقودين تحت أنقاض البناء المهدم في مار مخايل. وأجرى اتصالاته بالمدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطار، واطلع منه على آخر المعطيات.

بعد الإشكال الذي وقع بين فريق الإنقاذ وشرطة البلدية اليوم، عادت عملية البحث واستؤنفت ببطء، وعاد الأمل ليتراجع بوجود أحياء. فصباحاً لفت شهود عيان إلى أن آلة التصوير الخاصة التي بحوزة الفريق التشيلي أكدت أن ثمة اشارات نبض ربما تكون صادرة عن شخص مقعد على كرسي متحرك تحت الركام. لكن مع تقدم عمليات البحث تراجع الأمل، وقيل أن آلة التصوير ربما رصدت إشارات كهربائية صادرة عن بطارية مثبتة على الكرسي الآلي. واستمرت عملية إزالة الركام وتكثفت عملية البحث وقد تستمر حتى يوم غد، كما قالت مصادر متابعة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024