التنمية المستدامة عربياً: هرمية "مرعبة" في توزيع الثروة

وليد حسين

الأربعاء 2019/04/10
في الجلسة العامة الأولى للمنتدى العربي للتنمية المستدامة للعام 2019 التي أتت تحت عنوان "نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية"، يكاد يصل المصغي إلى المتداخلين إلى خلاصة مفادها أنّ الدول العربية باتت تعيش في مرحلة تأمين رفاهية العيش لمواطنيها، من خلال توزيع الثروات وتحقيق المساواة بين الجنسين وعلى المستويات الحياتية كافة. فقد بدا لافتاً عدم تطرق معظم المداخلات للمعوقات السياسية داخل الدول العربية، التي تعرقل عملية التقدم لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك طوال اليوم الأول للمنتدى الذي تنظّمه اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) في بيروت. فلم ينتقد أي متحدّث في الجلسة الصباحية السياسات الحكومية الداخلية التي لا تكافح الفقر، وعدم المساواة، وتدهور المناخ والبيئة، وعدم تحقيق الازدهار والسلام والعدالة الاجتماعية، والتي تقع في صلب أهداف التنمية المستدامة لتحقيق مستقبل أفضل للشعوب، وفق أجندة الأهداف التي أقرّتها الأمم المتحدة والتي تعمل على تحقيقها بحلول العام 2030.

غياب البيانات
شرح ممثلو الدول العربية (مصر، والسودان، واليمن، والعراق، وقطر) في كلماتهم حالة التقدّم الذي أحرزته دولهم في تكييف السياسات الحكومية مع أجندة التنمية. واستفاضوا في عرض المؤشرات الداخلية التي تؤكّد تقدّم السياسات الحكومية في تلك الدول، حتى يظنّ المراقب أنّ المنطقة العربية حقّقت فعلاً ليس "تمكين الناس وضمان الشمول والمساواة" وحسب، بل جميع أهداف التنمية المستدامة. وهذا عاكس حقيقة عدم امتلاك "الإسكوا" للبيانات الكافية، التي تحدّد كيفية تقدم الدول في العمل على المؤشرات التي وضعتها الأمم المتحدة، للتحقق من تنفيذ أجندة التنمية المستدامة. فوفق مدير الجلسة الصباحية نائب الأمينة التنفيذية للإسكوا منير تابت، تعتمد الإسكوا على الإحصاءات الوطنية التي تقدّمها الدول، وبعض الوكالات، لتنفيذ الخطوات ووضع آليات للتحرّك. لكن تبيّن أن ليس هناك تعاوناً جدياً من معظم الدول. فقد أظهر العرض المصوّر (أدهش حجم الخط الصغير جداً والعصي على القراءة، حتى من المتحدث نفسه، جميع الحاضرين في القاعة) غياب البيانات التوضيحية عن معظم المؤشّرات بشكل كامل. أما النسبة القليلة المتبقية من المؤشرات فبعضها بياناتها منقوصة، والقليل منها مكتملة، وتتضمّن بيانات واضحة. وهذا يعتبر تحدّياً كبيراً يُعيق التقدم في عملية التنمية بالشكل المطلوب، على حد قول تابت. بمعنى آخر، يستدعي الافتقار إلى البيانات الاستثمار في وضع آليات للحصول عليها بداية، للانتقال لاحقاً إلى التحرك المطلوب لتحقيق الأهداف. وصحيح أنّ المنظّمة لاحظت تقدم بعض الدول في عملية مكافحة الفقر، لكن الأمر ما زال يحتاج إلى المزيد من العمل والجهد، خصوصاً أنّ نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد تتجاوز الأربعين بالمئة في نحو عشرة دول عربية.

مشاكل بنيوية
على عكس المداخلات السابقة، تناول منسّق مبادرة المساحة المشتركة عمر حلاج، الذي أدار جلسة بعد الظهر، افتقار الدول العربية للمساواة بأشكالها كافة، عازياً السبب إلى وجود إشكاليات بنيويّة في الأطر القانونيّة والسياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة. ليس هذا وحسب بل لفت إلى أنّ مؤشّر المساواة تحرّك باتجاه سلبي، عوضاً عن بقائه ثابتاً أو تقدّمه إلى الأمام. فعلى مستوى البيئة والتصحّر وتأمين الماء والكهرباء والتعليم والصحّة، تعبّر المؤشرات ليس عن عدم وجود مساواة وتفاوت بين منطقة وأخرى داخل الدول وبينها وحسب، بل عن عدم تحرّك الحكومات للعمل عليها أيضاً. وعلى مستوى مشاركة النساء لا تأخذ الحكومات بمبدأ "الدمقرطة" وضرورة إشراكهنّ في صنع القرار. وعلى مستوي تحقيق اللامركزية اعتبر إنّ مشكلة الأخيرة لا تكمن في عدم توافقها مع مبدأ الحوكمة وحسب، بل أنّ الحكومات تعمل على إضعاف المجتمعات المحلية واستقطابها بطرق لا تخلو من التبعيّة والزبائنيّة.

إعادة البحث بالأهداف
أما خبير التنمية أديب نعمة فقد خصّص مداخلته لتفنيد عيوب فكرة التنمية، بالصيغة التي تعرضها الأمم المتحدة. ولفت إلى أن التسرّع في محاولة تحقيق أهداف التنمية يؤدّي إلى اللجوء إلى الإحصاءات والأرقام، قبل وجود تصوّر واضح عن الأهداف وكيفيّة تحقيقها. فيما المطلوب بحث علميّ وتأسيس نظريّ، قبل الشروع في وضع الأهداف. غير ذلك "لا نستطيع معرفة ما نحن ذاهبون لتحقيقه ولقياسه، ونقع في التناقض عند أول مشكلة تواجهنا، بسبب الاكتفاء بالاعتماد على القياسات الرقمية"، كما قال. وأوضح إنّ بعض الدراسات الحديثة الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة بيّنت أن الطبقة الوسطى في الدول العربية تمثّل نحو خمسين في المئة من مجتمعاتها، وهذه نسبة غير دقيقة وفيها تناقض مع ما يشعر به ويتلمّسه المواطن يومياً. وحذّر من إنّ مخاطر الاعتماد على الإحصاءات لا تكمن في التوصّل إلى معلومات مغلوطة عن الواقع، بل تؤدي أيضاً إلى وضع سياسات خاطئة وفي المكان الخطأ.

وإذ شدّد نعمة على ضرورة عدم الاعتماد على دوائر الإحصاء والحفاظ عليها كمؤسّسات محايدة، وعدم تحميلها أعباء سياسية ناتجة عن قياس أرقام الفقر وعدم المساواة، دعا إلى مراجعة أهداف التنمية التي وضعتها الأمم المتحدة والمؤلّفة من 17 هدفاً. فعلى سبيل المثال تبيّن أنّ الهدف رقم عشرة المتعلّق بتحقيق المساواة غير واضح، باعتراف المجلس العالمي للعلوم. فمعظم أهدافه الفرعية موضوعة كأنشطة ولا يمكن استخلاص أي انجاز واضح ومحدد منها أو حتى أي مؤشر لقياس الإنجازات فيه.

وتطرّق نعمة إلى دراسات حول وجود هرمية "مرعبة" في توزيع الثروة والدخل، والتفاوت بين دول الشمال والجنوب إلى ازدياد مضطرد، وهذا شبيه بالوضع الذي كان قائماً قبل الحرب العالمية الأولى، وكان أحد الأسباب التي أشعلت الحرب. ولفت إلى أنّ أكثر منطقة في العالم يوجد فيها تفاوت في توزيع الثروة بين الشرائح العليا والدنيا هي المنطقة العربية، والذي كان أحد أبرز الأسباب التي فجرت ثورات الربيع العربي. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024