الضابط الذي أصبح راقصة

محمد السعدي

الأربعاء 2018/05/02
في النسخة الأخيرة للعام 2017 من قائمة 100 Women، التي تنشرها مؤسسة الإعلام البريطانية BBC عن أكثر 100 امرأة تأثيراً في العالم، ظهر اسم امرأة كانت بالأحرى... رجلاً، ولا كأي رجل: ضابط في القوات المسلحة الصينية Jin Xing.

جن زينغ (50 عاماً) عاشت "حياتَين" حافلتين بأحداث و"تحولات" كثيرة، أحدها "جذري" وحاسم: الانتقال من عالم الرجولة (كعسكري) إلى جو الأنوثة (كراقصة). وتركُ الجيش الأحمر للالتحاق "بالجيش الأزرق" أمر لا يحصل كل يوم.

تلك الفنانة الصينية باتت معروفة عالمياً كامرأة، تحديداً كراقصة موهوبة ومدربة رقص مرموقة ومصممة رقصات مبدعة. من يراها من دون سابق معرفة بقصتها، لا يدور في خلده أن هذه المتمايلة البارعة كانت ضابطاً في الجيش الصيني. ولا يُعرف كيف وصلت إلى رتبة كولونيل في سن مبكرة.

أياً كان من أمر "تعقيد" جن زينغ (بمعنى تقليدها رتبة "عقيد")، فهي تؤدي بإتقان تام حركات فنية "معقدة" على خشبات المسارح وصالات العرض، في مسقط رأسها، شنغهاي، وفي مدن العالم الكثيرة التي تدعى إليها. فالطلب عليها متزايد، لاسيما في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية (التي درست فيها وحصلت على جائزة أفضل راقصة). يتهافت على عروضها جمهور واسع، وتنفد التذاكر قبل أسابيع من موعد العرض. فعلى الصعيد الفني، وُفقت زينغ في التوفيق بين أطراف معادلة شائكة تجمع أصول الباليه الروسية، التي تعلمتها في فرقة الجيش، والأوبرا الكلاسيكية والرقص المعاصر، مع إضفاء مسحة واضحة من التراث الصيني. وفي مجمل جمهورية الصين الشعبية الشاسعة، لا توجد سوى 3 فرق للرقص المعاصر، زينغ أسست اثنتين منها. هكذا، يمكن القول إنها، لوحدها، تمثل ثلثي الرقص الحديث في الصين.

حين كان الشاب زينغ عسكرياً، كان عضواً مميزاً في فرقة باليه الجيش، التي تدرب فيها بشكل أساسي على أصول الباليه على الطريقة الروسية، إضافة إلى الفنون الحربية، كأي ضابط. لكن، مثلما تؤكد زينغ الآن: "التدريب بهذه الطريقة جعل الواحد منا ماكينة رقص مضبوطة الأداء، إنما خالية من الإبداع والتميز الفردي والفن". فمنذ نعومة أظافره، كان زينغ الفتى يميل إلى الفن، فشارك وهو طفل في فرقة المدرسة المسرحية، التي لوحظ أنه الولد الوحيد فيها، بين عدد من البنات. وفي الجيش، أتاح له تميزه وموهبته الفنية الحصول على بعثة لدراسة الرقص الحديث في الولايات المتحدة.

ويبدو أن "التحول" الحاسم حصل هناك، على الأقل في الفكر أولاً، قبل التطبيق العملي... جراحياً. فحال عودته إلى بلاده، في العام 1994، عقب 4 سنوات في نيويورك، أعلن عزمه إجراء عمليات جراحية لكي يتحول إلى امرأة. وبرر قراره بأن ذلك لن يشكل تحولاً جوهرياً بالنسبة إليه، إنما تكريس لوضع قائم، وتسليم بأمر واقع، حيث كان دوماً يعتبر نفسه أنثى. وطبعاً، ذهل ذووه لما اعتبروه نزوة عابرة. أما والده، فاكتفى بالقول: "افعل ما تجده مناسباً لك يا بني".

أصرّ الشاب جن، في سن 28 وقتها، على إجراء عمليات التحويل الجراحية، ما يشكل أمراً نادراً في حد ذاته في الصين الشعبية. وبعد التحول، ثابرت الشابة جن على تدريبات مضنية ومتواصلة في الرقص حتى دخلت أبواب "المجد". ثم عززت خبرتها عبر العديد من الأعمال والمشاركات في أوروبا. فنالت شهرة عالمية تُوجت في لوحة راقصة من تأليفها وتصميمها وإخراجها وأدائها كراقصة أولى، تحمل عنوان "شنغهاي تانغو". وفي هذا العرض، الذي يعدّ نموذجاً لنضج تجربة زينغ الفنية، نمَّت الفنانة عن إبداع فريد وقريحة لافتة في الخيال، وصرامة فذة في التوزيع المسرحي وتوجيه الراقصين، الذين لم يشكُ أحدٌ منهم من أنها تفرض عليهم "انضباطاً" عسكرياً أثناء التدريبات.
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024