شهران على جريمة 4 آب: الضحايا غير منسيين

نادر فوز

الأحد 2020/10/04
4 آب 2020، 4 تشرين الأول 2020. مرّ شهران على جريمة تفجير مرفأ بيروت. دوّن لبنانيون أسماء شهداء التفجير على بالونات بيضاء وأطلقوها في الهواء، بعد ظهر الأحد. من هنا صعدت أرواح الضحايا، ومن هنا ارتفعت أسماؤهم إلى السماء. ومن هنا أيضاً تستكمل الدولة اللبنانية وسلطتها السياسية سلسلة فضائحها في هذا الملف وغيره. شهران مرّا، والتحقيقات تروح وتجيء من دون بتّ ولا مسؤوليات، بانتظار تقارير أجنبية لا بد أن تصل بعد أسابيع. وإلى ذلك الحين، وقت يمرّ تراهن عليه السلطة لطمس كل ما في قلوب اللبنانيين من غضب وألم ومطالب.

دماء الشهداء
على جسر فؤاد شهاب أمام تمثال المهاجر المطلّ على المرفأ، أحيا اليوم أهالي الضحايا ذكرى المذبحة. رفعوا لافتات الثأر والحساب، أكدوا على عدم التسييس والتمييع "ولا لهدر دماء الشهداء". أمام عدسات الكاميرات، أخرجوا ما في جوفهم من حزن ووجع مؤكدين على القصاص والثأر. إحدى السيّدات، قالت إنّ "المسؤولين ليسوا بشراً، بل شياطين"، وأخرى أعادت سرد كل التفاصيل التي جمعتها عن آخر لحظات أخيها الشهيد. وناجٍ ذكّر بلحظات الموت التي عاشها على البرّ وفي الجو وفي البحر بالقرب من عنابر المرفأ. "لن نهدأ ولن نستكين حتى تحقيق العدالة"، قال عدد منهم. أجمعوا على عدم المتاجرة بأرواح أبنائهم ورفض "تحميل الصغار مسؤولية ما يحصل ليتنصّل الكبار منها". أمام المرفأ، الجرح لم ولن يندمل، والضحايا لن ينسوا. 

انشغال الرؤساء
تحرّك أهالي الضحايا وقطعوا الطريق عند جسر شارل حلو. فحضرت القوى الأمنية ومنعتهم. طالب الأهالي بمبادرة واحد من الرؤساء الثلاثة إلى الاتصال والإعلان عن مجريات التحقيقات ونتائجها. إلا أنّ ذلك لم يحصل طبعاً. فالرؤساء، إن كان أحدهم مهتماً بالملف، مشغول بتحضير أمتعته للسفر إلى دولة الكويت وتقديم واجب العزاء. تكفّلت قوى مكافحة الشغب بتأمين السير وفتح أحد المسارب من دون احتكاك أو عنف مشهود لها به في تحركات بيروت. فاستمرّ التحرّك بصمت، مع صراخ قليل يصدر من حين لآخر عن أحد المشاركين للتأكيد على ثمن الدماء المبذولة.

الرهان على الوقت
تستغلّ السلطة اللبنانية، مجدداً، عامل الوقت لقتل القضايا والمطالب والحقائق. بالوقت، تراهن على ضياع الذاكرة. به، تقتل التحقيقات فتعيد قتل 192 ضحية، ومعهم أيضاً مئات آلاف المتضرّرين المباشرين وغير المباشرين من جريمة 4 آب. تسير السلطة عكس الطبيعة وعكس المنطق. فليس الوقت كفيلاً إلا بالنسيان. هنا يضمّد الوقت والنسيان جرحاً آخر لا يجب تسكيره. فيأكله العفن من الداخل، وخارجه كل شيء سليم. تماماً كما الحال في بيروت. فعلى بعد مئات الأمتار من مكان إحياء ذكرى ضحايا جريمة المرفأ، تجمّع آخر لدعم المدينة وصمودها.

في ذلك التجمّع تأكيد على الصمود وقيام بيروت من تحت الردم. تشديد على أنّ العاصمة واجهة لبنان الثقافية والاجتماعية. هي الواجهة نفسها التي سقطت في كل الأحياء يوم 4 آب بعدما توالى سقوطها منذ خمسين عاماً.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024