انتفاضة صوْر تستمر تحت حصار سلاح حركة أمل

المدن - مجتمع

السبت 2019/10/19
لا يختلف المشهد بين منطقة وأخرى على طول الطريق الممتد من بيروت إلى صور. محطات متفرقة مقطوعة بالحجارة والاطارات المشتعلة وحاويات النفايات، يجلس قربها شبان يرشدون سائقي السيارات إلى المسارب المفتوحة التي يعبُر بعضها أحياءً صغيرة داخل القرى، علماً أن هؤلاء الشبان أنفسهم هم من يقطعون الطرق.

تحت المراقبة المسلحة
مع الوصول إلى ساحة العلم في صور، تبدأ الصورة بالتغيّر. تظاهرة تهتف بإسقاط النظام. شبان وشابات يدعون الناس للمشاركة في التظاهرة لأن النظام "أفقرَ الناس وجوّعها ولم يعد بالامكان الاستمرار بهذا الظلم".

الهتافات تشبه هتافات المتظاهرين في وسط بيروت. لكن عدد المتظاهرين في صور أقل ويسهل معرفة وجوههم بالنسبة لأبناء المدينة وجوارها. حول التظاهرة شبان على دراجات نارية، يحمل بعضهم مسدسات على الخصر. يجول أحدهم بنظره في المكان ويكشف لصديقه عن انزعاجه لعدم قدرته التأكد من وجود فريق عمل تلفزيون الجديد الذي "يجب تكسيره". فبرأي الشابان، هذه الوسيلة الإعلامية "ضد الرئيس بري".

يجول بعض الشبان بين المتظاهرين، يقطعون من جانب الرصيف إلى ساحة العلم، أمام السيارات التي تسير ببطء ويراقب بعض من بداخلها التظاهرة ووجوه المتظاهرين، وسرعان ما يخبرك أحد المتظاهرين بوجود أسلحة داخل عدد من تلك السيارات، وركّابها ممن اعتدوا على المتظاهرين صباحاً، ووقفوا لساعات على مداخل المدينة ليمنعوا المتظاهرين من الوصول إلى ساحة العلم. وهؤلاء ليسوا سوى عناصر من حركة أمل.

شكوى مدنية ولا مبالاة أمنية
في الساحة تشاهد إحدى السيدات فريق عمل "المدن"، تجد في المصور والصحافي الذي يجري حوارات مع المتظاهرين، مكاناً آمناً لتفريغ ما في داخلها من ملاحظات. أولى ملاحظاتها هي لا مبالاة القوى الأمنية، حين أبلغت السيدة أحد العسكريين بوجود "أشخاص يتصرفون بغرابة بين المتظاهرين"، فكان جواب العسكري "لا علاقة لنا".

شكوك السيدة قد لا تكون صحيحة، وهي لم توضح مفهوم "الغرابة"، لكن حرصها وخوفها في ظل الأحداث التي وقعت صباحاً والسلاح الموجود في الشارع، يستحقان أخذهما على محمل الجد، أو على الأقل التحقق من الأمر. وفي جميع الأحوال، الحفاظ على أمن التظاهرة مسؤولية أساسية ملقاة على عاتق القوى الامنية. وعليه، لا يصح تنصل العسكري من الموضوع.

لكن أسباب التنصل سرعان ما تتضح، خاصة حين تُربَط بملاحظة وجود عدد ضئيل جداً من عناصر القوى الأمنية، سواء الأمن الداخلي أو الجيش ومخابراته. فمن المستغرب انتشار عدد قليل في بقعة قد تشتعل في أي لحظة، نظراً لوجود فريقين متخاصمين سبق أن اعتدى أحدهما على الآخر، واستعرض بعض أسلحته في شوارع المدينة، بحضور القوى الأمنية.

استنفار عناصر حركة أمل ولا مبالاة القوى الأمنية، لم يؤثرا في المتظاهرين الذين تجاهلوا كل هذه المعطيات ودلالاتها، وأكملوا تظاهرتهم فأشعلوا أضواء هواتفهم ولوحوا بها على أنغام نشيد موطني والهتافات الثورية.

مطاردة الشيوعيين
المشهد بقي هادئاً طيلة الوقت، خرقت هدوءه لبعض الوقت أخبار تناقلها بعض المتظاهرين عن إرسال تهديدات من عناصر أمل لبعض الشبان الشيوعيين المعروفين بمشاركتهم الكثيفة في التظاهرات والتحركات المطلبية في صور، ووصلت التهديدات إلى حد التهديد بالقتل، وفق ما يؤكده لـ"المدن" أحد الذين تلقوا التهديد. ويؤكد شخص آخر أنه تمت صباحاً عملية ملاحقة شيوعي آخر من مدينة صور، لكنه نجح في الاختباء في أحد المطاعم.

مع مضي ساعات الليل استمر صخب التظاهرة واستمر تطويقها من أشخاص يستمعون إلى شعارات غير راضين عنها، وبعضهم، بحسب متظاهرين، "كانوا مشاركين في التظاهرة ويهتفون ضد النظام ورموزه، ومن ضمنهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، لكنهم انفصلوا اليوم عن التظاهرة بعد التوجيهات التي اعطتها الحركة لمناصريها بعدم المشاركة والاقتصاص من المتظاهرين والانتظار في مكان التظاهرة للتأكد من أن المتظاهرين لن يتعرضوا بالشتم للحركة ورئيسها". 

ويضيف المتظاهر أن "بعض من كانوا يشتمون بري في الأمس، تبين أنهم عناصر من حركة أمل شاركوا في الاعتداء على المتظاهرين". ولا يستبعد المتظاهر أن يكون هؤلاء على علاقة بإحراق استراحة صور "ريست هاوس".

وحول إحراق الاستراحة، يستغرب المتظاهر "كيف اختفى العدد الكثيف للقوى الأمنية التي كانت ترافق التظاهرة قبل إحراق الاستراحة بنحو نصف ساعة، وكيف خرج عدد كبير منهم من داخل الاستراحة مع بدء إحراقها". مع الإشارة إلى أن القوى الأمنية "كانت تراقب بعض مثيري الشغب ولم تفعل شيئا".

التصدع السياسي
رغم كل ما حصل، يصر المتظاهرون على استمرار تحركهم حتى إسقاط النظام. ويشير الكثير منهم الى أن التحركات أوضحت الكثير من المسائل السياسية بالنسبة إليهم، وأهمها أن الصورة المقدّسة لبعض الأحزاب والزعامات انكسرت. 

كما أن إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه ظهر السبت، أن العهد لا يمكن إسقاطه، أكد للمتظاهرين أن الحزب وجمهوره لا يكترثان لهموم الناس وأوجاعهم، بل يهتمون بمصالحهم السياسية. وبنظرهم، النزول الى الشارع للاعتراض على الظلم لا يحتاج إلى مقدمات وتكتيكات وحسابات، لأن المرض والفقر والبطالة والتعليم... وغيرها، لا يحتاج إلا لكرامة حقيقية للانتفاض، وشعار هيهات منّا الذلة الذي يردده نصر الله دائماً، يتناقض مع مهادنة الذل والقبول به تحت شعارات واهية، خاصة وأن حسابات حزب الله الداخلية والاقليمية معروفة، وتتصل بضرورة الحفاظ على العهد برغم قمعه وفشله سياسياً واقتصادياً ومالياً. ولا يستغرب المتظاهرون تعايش حزب الله وجمهوره مع الظلم في لبنان، فهم دافعوا عن نظام البعث الذي يقمع شعبه ويقصفه بالبراميل المتفجرة، خدمةً لمصالحهم ومصالح إيران.

مواطن من صوْر "يخطب" بحسن نصر الله!

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024