أهالي موقوفي "استراحة صور": نقابة المحامين ضدنا

خضر حسان

الجمعة 2019/11/15
لم تشعر النقابات والروابط على مختلف الاتجاهات المهنية التي تمثّلها، أنها معنية بتحركات المواطنين الذين خرجوا إلى الشوارع في 17 تشرين الأول، للمطالبة بتغيير الواقع السائد منذ 30 عاماً. كان الأمر متوقعاً لأن قيادات النقابات والروابط معيّنة من قبل أحزاب السلطة. لكن اللافت هو تدخّل بعض النقابات بشكل مباشر كطرف ضد المتظاهرين، وليس الاكتفاء بالصمت حيال ما يجري. وهذا بالتحديد ما فعلته نقابة المحامين التي تصرّفت بسلوك غير مفهوم إلا في سياق عرقلة حل ملف الموقوفين بتهمة إحراق استراحة صور.

ضغوط سياسية
كان من المفترض نقل الموقوفين في قضية استراحة صور، من مكان توقيفهم في صور إلى قصر العدل في صيدا، لعقد جلسة يستمع فيها قاضي التحقيق الأول في الجنوب، مارسيل حداد، الى إفاداتهم، لكن حداد أرجأ الجلسة إلى يوم الثلاثاء 19 تشرين الثاني، بعد تعذّر وصوله إلى صيدا. 

التأجيل انعكس إحباطاً جديداً في نفوس أهالي الموقوفين العائدين إلى صور، بانتظار جلسة الأسبوع المقبل. فالأهالي كانوا قد استنكروا منذ اللحظة الأولى، استدعاء أبنائهم والتحقيق معهم، في مقابل إغفال ملف الاعتداء المسلح على المتظاهرين من قبل عناصر معروفة الانتماء السياسي. وسياسة الكيل بمكيالين دفعت شقيق أحد الموقوفين للقول في حديث لـ"المدن"، أن "هناك لعبة خلف الاستدعاءات وضغوطاً سياسية لتضييع الوقت، واستمرار التوقيف من دون توجيه أي تهمة وتحديد المسؤوليات. فالمطلوب هو إهانة الناس وإعلامهم أن من يعارض السلطة السياسية في صور سيُعاقَب. ومن يناصر السلطة سيتلقى الدعم والحماية حتى لو ثبت حمله السلاح واعتدائه على الآخرين".

ويشير الشقيق الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، تفادياً لضغط إضافي على شقيقه الموقوف، إلى أنه "من المؤسف انجرار القوى الأمنية والقضاء ونقابة المحامين إلى تنفيذ رغبات أحزاب وشخصيات سياسية نافذة، تريد تحويل الأنظار من أولوية تحقيق مطالب الناس إلى أولوية النظر في قضية مرفق سياحي، أُسس في الأصل على مبدأ التعدي على الأملاك البحرية.
وحتى لو قلنا أن كل قضية لها أولويتها الخاصة، فلماذا الاستنسابية في التعاطي مع القضايا، ولماذا الضغط السياسي لإخراج بعض الموقوفين وإبقاء البعض الآخر؟ كما من حقنا التساؤل عن سبب تدخل نقابة المحامين لسحب وكالة محامين تطوعوا للدفاع عن الموقوفين، وتعيين محامين آخرين لم يكونوا متطوعين لهذا الغرض منذ البداية؟" ويضيف الشقيق أن "مسار القضية يُفقدنا الثقة بكل شيء، بالقوى الأمنية والقضاء وعملية التغيير في البلد. فهذه السلطة ما زالت تحكم بقوة. واقتلاعها لن يكون سهلاً".

ويضع الشقيق مسألة ادعاء السيدة رندا بري على أحد الموقوفين بتهمة القدح والذم والاساءة إليها عبر الشتائم، في إطار التدخل السياسي، معتبراً أن هذا الادعاء هو "حجة لبقائها على تماس مع قضية استراحة صور. وهذا دليل على أنها صاحبة الاستراحة بطريقة غير مباشرة، وهي معنية بالاقتصاص ممّن أحرقوها. لكن المفارقة انها لا تقتص من الفاعلين الحقيقيين فالمدعومين سياسياً اعفي عنهم ولم يتم استدعاؤهم".

سحب الانتداب
عقد أهالي الموقوفين آمالاً على المحامين، بوصفهم الجهة التي يفترض بها تولي القضية وتبيان الحقيقة. لكن الشكوك بوجود ضغوط سياسية بدأت بالظهور منذ اليوم الأول لاستدعاء الموقوفين، حين تم منع المحامين من رؤية الموقوفين، وتأكدت الشكوك يوم الخميس 14 تشرين الثاني بعد استرداد نقيب المحامين اندره الشدياق انتداب النقابة للمحامين، والذي جاء "بعد استطلاع رأي لجنة المعونة القضائية"، وفق ما جاء في الكتاب، الذي وجهه الشدياق إلى قاضي التحقيق. وللمفارقة، هي اللجنة ذاتها التي أوصت قبل يوم واحد بانتداب المحامين حسن بزي، فاروق المغربي، مازن حطيت، نرمين السباعي، نزار صاغية، باهية شعر، مريم حمدان، يوسف الخطيب، جاد طعمة، أيمن رعد، واصف الحركة، هالا حمزة، نجيب فرحات، هاني الأحمدية، هبة فرحات، علي عباس، ملاك حمية، رفعت الصايغ وباسل عباس، متحدين او منفردين لتأمين الدفاع عن الموقوفين في الدعاوى العالقة ومتابعتها بكافة الدرجات.

وبموازاة كتاب الاسترداد، انتدبت النقابة المحامية منى محمد الشامية والمحامية زهرة الكسم والمحامي المتدرج الياس مارون كسرواني، للدفاع عن الموقوفين. وهو قرار استغربه المحامون الواردة اسماؤهم في كتاب الانتداب الأول، واستغربه أهالي الموقوفين "فلو كانت النوايا سليمة، فلماذا هذا الاجراء؟ أوليس سحب الانتداب تشكيك بقدرة 19 محامياً، ومن يضمن لنا كأهالي الموقوفين قدرة ثلاثة محامين انتدبوا فجأة لتولي القضية؟" يقول شقيق أحد الموقوفين.

موقف من التظاهرات
أسئلة الأهالي "تُعتبَر مشروعة"، حسب ما تقوله مصادر في نقابة المحامين لـ"المدن"، والتي تربط سحب الانتداب بالضغوط السياسية التي تُمارَس على كل من يؤيّد التظاهرات ضد السلطة "بمن فيهم المحامين". وتضيف المصادر أن "هناك انقساماً داخل نقابة المحامين حول مشروعية التظاهرات الحاصلة، وحول الموقف من أحزاب السلطة، وهو ما جعل بعض المحامين يروج لحملة ضد المحامين الذين يدافعون عن أي موقوف على خلفية التظاهرات. وهذا الانقسام سينتقل إلى صناديق الاقتراع خلال انتخابات مجلس النقابة المفترض القيام بها يوم الأحد 17 تشرين الثاني، والتي يحاول محامو السلطة تأجيلها في حين يضغط المحامون المعارضون للسلطة باتجاه اجرائها في موعدها".

وتكشف المصادر عن أن "المحامين الذين انتُدبوا في الكتاب الأول، هم محامون مؤيدون للتظاهرات ودافعوا في السابق عن الموقوفين في تظاهرات العام 2015، وهو ما أزعج فريق السلطة في النقابة والذي يردد في أروقة النقابة بأن المحامين المدافعين عن الموقوفين، إنما يدافعون عن قطّاع طرق ومخرّبين". ورغم ذلك يتجه المحامون الذين تخلت عنهم النقابة إلى "الاستحصال على توكيلات شخصية من الموقوفين، عبر كاتب عدل يتولى انجاز الاجراءات المطلوبة بموافقة آمر فصيلة صور حيث يُحتجز الموقوفين".

وتوضح المصادر أن تولي قضية الموقوفين "لا يعني الدفاع عنهم في حال ثبوت تورط أحدهم في قضايا خارجة عن نطاق التظاهر، فنحن غير معنيين بالدفاع عن أحد متورط بسرقة أو عليه قضايا سابقة وما شابه".

تضع نقابة المحامين نفسها طرفاً في القضية، فهي كسائر النقابات والروابط التي تسيطر عليها السلطة، تعمل لتلميع صورة النظام وإحباط أي حراك تغييري. أما استباق محامي السلطة التحقيقات القضائية واعتبار الموقوفين قطّاع طرق وسارقين وغير ذلك، هو مؤشر خطير على تسييس العملية القضائية، وسبب إضافي لرفض الموقوفين وأهاليهم توكيل محامين جدد ظهروا فجأة في القضية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024