"ألف خيمة وخيمة": الفن يكرّس المأساة

عامر أبو حامد

الإثنين 2014/12/29

عندما قررت السلطات اللبنانية إغلاق مخيم المرج للاجئين السوريين في منطقة البقاع، كان على ساكني الإثنين وأربعين خيمة أن يلملموا الأشياء والأدوات البسيطة التي تراكمت فوق بعضها لتصبح وسائل عيش خلال السنوات الثلاث الماضية. بين القضبان الحديد للخيمة وأبواب "البراكيات"، حيوات وذكريات متوترة بين العابر والمؤقت خارج الوطن المنكوب، والواقع اليومي لحياة أهل المخيم الذي يستعصي على الزمن ذاته.


حاول عرض "ألف خيمة وخيمة"، على مسرح دوار الشمس، السبت الماضي، محاكاة اللازمني من حياة المخيم على ألسنة أهله، ومن خلال روايات سبعة شبان عاشوا في المخيم منذ خروجهم من سوريا إلى لحظة إخلائه أو "النكبة" كما يسميها العرض. أيمن وشادي وعبدالله وعبد الرحمن وعمر ومحمد، هم مجموعة من الشبان السوريين الذي قرروا أن يكون لهم تجربتهم المسرحية الخاصة في مخيم المرج، لكن قرار إغلاق المخيم دفعهم إلى النزول إلى بيروت ورواية سيرة الترحال بالتعاون مع المخرجين عمر الجباعي ومضر الحجي.

بعد أن يحسم الجدل بين الشبان حول توزيع الخيام، يجلس كل منهم على كرسيه/ الخيمة، ليتناوبوا على الرواية ولتتداخل سيرة المخيم مع السير الذاتية لأهله. مع العرض الصوري في خلفية المشهد، نمرّ على أهم التطورات التي طرأت على المخيم كاستبدال الخيم بـ"البراكيات" وإزالة غرفة الحراسة ومن ثم إعادة إنشائها من قبل أهل المخيم. يقوم المؤدون باستعراض الفرق بين الخيمة والبراكية بطريقة كوميدية تُخرج المخيم من سياقه كمكان مؤقت وتثبته كحقيقة ملازمة لسيرة السوري اللاجئ. ومع تقرير "قناة العربية" على شاشة العرض عن مشروع شركة سويدية لاستبدال خيم اللجوء بمنازل مسبقة الصنع، يجمع الجميع على أن السويديين لا يعرفون شيئاً عن أدبيات مخيمات اللجوء، لكنهم لا يلبثوا أن يختلفوا في المفاضلة بين الخيمة والبراكية. فعلى الرغم من أن الخيمة المنخفضة تخرب تسريحة شعر عمر كلما حاول الخروج منها، لكنه يفضلها على البراكية التي تفصل أهل المخيم وتضع أبواباً رسميةً بينهم.

تتركز المرويات على الحميمية التي نشأت بين أهل المخيم وعلاقاتهم اليومية، وشخصياته البارزة كأبي صالح الحكواتي، وفي كل رواية كان العرض يتقدم أكثر في تكثيف فكرة المخيم ككينونة سورية تقترب أكثر فأكثر من هوية الشبان لتكون إضافة إلى العمر والمهنة أداة تعريف وانتماء. يُحدث الفكاك عن هذه الهوية المكانية والاجتماعية ألماً ونوستالجيا، مع العلم أن الخارجين من المخيم إثر إغلاقه ذهبوا إلى مخيمات أخرى مشابهة. وعلى الرغم من الروايات المريرة عن المخيم في الشتاء واستغلال أحد الأشخاص النافذين من القرية المجاورة شباب المخيم في تنظيف سوق الإثنين، فإن الحزن المستبطن في قراءات "ألف خيمة وخيمة" هو نابع عن فراق المخيم والابتعاد عن الذكريات. كان ذلك واضحاً في إسهاب الشبان في وصف خيامهم وتفاصيلها التي بنوها بسواعدهم. وهنا الغصة الكبرى، إذ يتم تكرار "الفك أسهل من التركيب، خاصة إذا يلي فك غير يلي ركب".

الروايات الإنسانية على ألسنة مختبريها الحقيقيين على خشبة المسرح، تجعل الأمر ملتبساً بالنسبة للنقد. فالسيرة الحية لهؤلاء الأشخاص في مكافحة الظروف القاسية للجوء وفي ابتداع الحياة في أماكن لا تحمل مقوماتها، تجعل المسرَحَة غير لازمة. الأداء غير مجدي هنا والتمثيل قد يكون ترفاً وتضليلاً. يكفي أن يجلس شبان المخيم على كراسٍ خشبية ويقرأوا حكايتهم ليتحقق المسرح. لكن في ذات الوقت ما تقوله هذه السير الإنسانية الخالصة لا يبقى في إطار الشهادة الذاتية عن التجربة، بل يأخذنا إلى سؤال عن الفن في هذه اللحظة وعن الحال العام للسوريين خارج بلادهم. هل حتماً صارت الخيمة سمةً لهم، والمخيم وطناً وهوية؟ ما أهمله عمل "ألف خيمة وخيمة" هو الحالة المؤقتة لهذه المخيمات في لبنان وبقية الدول التي لجأ إليها السوريون. أربع سنوات من المعاناة والمأساة الإنسانية لا يجب أن تجر الفن إلى تكريس المأساة وجعل الخيمة مكاناً ورمزاً تُؤسس فيه الحياة والهوية والوطن، كما حدث مع الفلسطينيين قبلاً. فالمخيمات ليست مكاناً جميلاً على الإطلاق، الالتصاق بها وتقديمها إلى الفن بهذه الطريقة الجوهرية، يعزز إطباق أوتاد الخيام على ساكنيها ويزيد من عزلتهم ومعاناتهم.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024