وزير البيئة: بصراحة.. الفساد السياسي يؤجل المحارق والفرز والضرائب

عماد الشدياق

الجمعة 2019/08/30
في اللقاء الذي دعا إليه الوزير فادي جريصاتي ناقديه من الصحافيين، بمبنى وزارة البيئة في وسط بيروت مساء الأربعاء، بدا الوزير تكنوقراطياً بيئوياً، يتحدث بلغة المجتمع المدني والناشطين البيئيين.

"اللعنة" العونية
أراد الوزير لهذا اللقاء أن يكون بعيداً من عدسات الكاميرات، ليجيب بأريحية تامة عن الأسئلة كلها، بلا تكلّف، على حد قوله. فرأى الوزير أن نصف المشاكل في لبنان سببها المعلومات الخاطئة، موحياً وكأنه أراد، بتقربه من الصحافيين، قطع الطريق على المعترضين، على الرغم من تأكيده على أن فكرة اللقاء عمرها أكثر من شهر، وتأخرت بسبب الأزمات البيئية الكثيرة.

يفترض جريصاتي أن حسن النية بينه وبين الصحافيين قائم على الدوام، وأنه مع حرية الصحافة وحق النقد المقدسين بحسبه، لأنهما يفيدان التصويب. وكشف: "ليس هدف الاجتماع الدفاع عني أو مدحي. فنصف الناس في لبنان يتبادلون أفكاراً مسبقة في ما بينهم. وأنا جديد في لعبة السياسة، بل حديث بهذا الكار عموما". علامات النضج بدت على الوزير الشاب بعد أشهر ستة من عمر الحكومة. إذ صار يتحدث عن آفة الطائفية التي تفرق بين الناس، وكذلك كرهه الألاعيب السياسية وبعده منها، وعدم حماسته لخيار المحارق واندفاعه للفرز. بدا مقنعاً في مسائل، ومخفقاً في أخرى. وقال: "أتمنى منكم الحكم عليّ من خلال ما أُنجز، وليس من المنظور السياسي".

قد تكون لعنة جريصاتي ناجمة عن انتمائه إلى "التيار الوطني الحر"، الذي لم يلقَ الكثير من "العشق" لدى شريحة كبيرة من الشعب اللبناني، بسبب سياسات رئيسه التي كادت أن تشعل الفتن الطائفية في أكثر من مكان. ولم يخفِ الوزير عتبه على الصحافيين، لتناولهم الخطة التي أقرها مجلس الوزراء الثلاثاء الفائت، موضوع المحارق فقط، وتصويبهم الفائض حتى الاستهداف على المطامر، "كأنها وافدة من كوكب آخر ولم يشهدها لبنان من قبل". يعتز بأن خطته سيُنقص عدد المكبات العشوائية الألف المنتشرة في بقاع لبنان، الى 25 مطمراً مطابقاً للمواصفات الصحية. وهذه بحسبه خطوة استراتيجية رائدة، وهي أولى انجازات الخطة. أما إقرار الفرز من المصدر، فكشف أنه صعب البلوغ، و"لم يكن يناسب الكثير من الفاسدين".

ضريبة النفايات المرفوضة
يروي الوزير عن نجاحه الأكبر في "فصل الكنس والجمع عن المعالجة والطمر". وهذا بنظره أهم ما في الخطة، لأن "من كان يكتب الشيك (في السابق) هو نفسه من يوقعه ثم يقبضه. وهذا قمة الفساد. فهل يُعقل أن الشركة نفسها تكنس وتنقل وتعالج وتطمر، بل تبني المطامر حتى؟".

يستنتج الوزير أن "البلديات بحاجة لحوافز لتتحمس لانجاز الفرز من المصدر. فالقانون رقم 80 جعل الكنس والجمع في عهدة  البلديات التي ستتقاضى الرسم من المواطن (الأحكام المالية المؤجلة)، ثم تُنقل النفايات إلى مركز معالجة (محرقة، مركز فرز، كومبوست) فتدفع بحسب الأوزان. ولهذا ستتشدد في مراقبة الفرز. أما مركز المعالجة فسيدفع هو الآخر لإدارة المطمر بحسب الوزن. وهنا بات مركز المعالجة مدفوعاً للفرز إلى أقصى الحدود، كي لا يتكبد دفع الأموال مقابل أوزان زائدة". وذكر الوزير مثالا على ما يحصل اليوم، وسأل: "أخبروني ما هو الحافز الممنوح لجهاد العرب حتى يفرز النفايات كما يجب، إذا كان سيُحاسب على عدد الأطنان؟ من نظّم العقود مع جهاد العرب؟ وكيف يمكن مراقبته بهذه الشروط؟".
أما الأحكام المالية التي كانت "المدن" سباقة في الحدث عنها، فكشف الوزير أنها لن تمر في هذا التوقيت الدقيق، خصوصاً بعدما رفضها "حزب الله" الذي يتحسس من أي بند مالي يستهدف بيئته.

وقال الوزير إن الرسوم المالية والضرائب من صلاحيات مجلس النواب وليس مجلس الوزراء. القانون يفرض الضرائب والرسوم، وليس المراسيم، متوقعاً "ألا يسير مجلس النواب في الشأن المالي لأهداف انتخابية، تماما كما فعل المجلس عند إقرار القانون رقم 80، فنسف الأحكام المالية، لأن النائب لا يريد خسارة أصوات الناخبين".

الثقافة البيئية الضعيفة
أبدى الوزير حذره في إظهار التفاؤل، وعلل: "كل من يتوقع أن يحلّ المرسوم مشكلة النفايات من جذورها، مخطىء. صحيح أن المرسوم هو الحجر الأساس في حل الأزمة، لكن الأمر صيرورة طويلة ومشتركة من العمل والمثابرة بين الدولة والمواطن". يؤكد أن "التوعية ضرورية وليست حلاً. فكل المناطق التي ترمي النفايات عشوائياً أو تحرقها في الوديان وعلى السفوح، لا يتأفف أهلها من التلوث. لكن حينما نفاتحهم بإنشاء مطمر صحي، يهبون لقطع الطرق وللتظاهر!".

وردا على سؤال عن طريقة توزيع الرسوم بين الوحدات السكنية وعدم تكافوئها، قال جريصاتي: "ذهبنا إلى طريقة اشتراكية وأقربها من العدالة الاجتماعية، لتقبلها الأطياف السياسية. لا يمكن أن  نكلف الفقراء، وهم الأكبر عدداً في المجتمع، أكثر من الأغنياء. وليس من تقنية إحصائية لاحتساب إنتاج نفايات الفرد الواحد حسب الوزن، لكن يمكن توافر ذلك عبر العلاقة مع البلديات".
ولدى سؤاله عن النفايات الخطرة، قال الوزير: "أُقرت في آخر بند من المرسوم، وهي مهمة جداً، لأن من أخطر النفايات تلك التي تنتجها المستشفيات والمصانع، ولا يمكن معالجتها إلا بالحرق". وكشف أن "مستشفيات كثيرة مخالفة، وهناك 80 دعوى تقدمت بها الوزارة في حق هذه المستشفيات". وثمة مستثمر ينتظر منذ أربعة شهور لإنشاء محرقة لهذا النوع من النفايات.
ولدى سؤاله: من يضمن التطبيق السليم للخطة، خصوصاً أن التطبيق يجافي دفتر الشروط غالباً؟ هنا لم يبدُ الوزير مقنعا قط، إذ قال إنه "يثق بفريق عمله الذي يشرف على سير العمل. لكنه أشار في السياق إلى أنه عجز عن توظيف 25 شرطياً بيئياً، وسيلجأ إلى تدريب 200 عسكري في قوى الأمن الداخلي كحل بديل"!  

المحارق والفرز المؤجلان
لم يظهر الوزير حماسة صريحة لملف المحارق. وهذا تطوّر لافت في موقفه. أبدى شكوكه بسرعة تنفيذها، وقال إن "المحارق بحاجة إلى تحديد مواقعها ودراسة الأثر البيئي، ثم إلى 5 سنوات لبنائها... وهي تحتاج لاتصالات وشروحات. لم أصل إلى مرحلة التفاوض مع البلديات، وأنا لا أوقع شيكاً على بياض لأحد. وفي حينه سأطالب بمختبرات بيئية ومراقبة دولية للإشراف على سير العمل في المحارق".

يعترف جريصاتي أن "من يحق له الموافقة على المحارق أو رفضها، هم أهل كل منطقة. ففي بيروت مثلا أهالها من يقرر، لانهم هم من سيدفع التكاليف. والبلدية مسؤولة عن إنشاء المحارق، وليس وزارة البيئة التي تنحصر وظيفتها بالرقابة المسبقة واللاحقة". وسخر الوزير من "نواب الأمة" كيف يرفضون المحارق في مناطقهم ويقبلونها في مناطق الآخرين، معتبرا أن "المحارق ليست مشكلة تكنولوجية، لأنها قديمة وموجودة منذ زمن. والخوف منها نابع من دقة مراقبة عملها. فالشعب اللبناني فقد ثقته بالدولة، وانا ورثت 50 سنة من قلة الثقة هذه".
بعد اعترافه بأن القوى السياسية تركته وحيدا في مواجهة المواطنين، لأن الخطوات البيئية غير شعبوية، تمنى جريصاتي أن "يبلغ الحوار حول النفايات في لبنان مستوى البحث في الأنسب والأقل كلفة، وليس بالضرورة  الارخص". وطلب مساعدة الصحافيين لتوعية المواطن على فاعلية الفرز من المصدر ومردوده على البيئة وجيب المواطن في آن، كاشفا أنه "يوفر 55 في المئة من حجم الطمر، ولا نقاش فيه، بل المطلوب التنفيذ سريعا"... وهذا انتصار للبيئيين وتقدم ملموس.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024