عائلة منكوبة بفقرها وأمراض أطفالها المستعصية

باسكال بطرس

الجمعة 2018/12/28
بمجرد حلول شهر كانون الأول، تبدأ مظاهر عيد ميلاد السيد المسيح، الذي له مكانة خاصة في قلوب الناس لما يصاحبه من بهجة وفرح وأجواء احتفالية تعم العالم بأسره. لكن ماذا عن المعنى الحقيقي للميلاد المجيد؟ رسالة المسيح واضحة، تحمل معاني المحبة، والسلام والعطاء تجاه الآخرين، الفقراء والمحتاجين منهم، وخصوصا الأطفال المرضى. فيكون "الميلاد" مناسبة للتخفيف من معاناتهم، وإبعادهم عن أجواء الحزن، التي تسلبهم طفولتهم وبراءتهم.

قد يكون زمن الميلاد مناسبة أساسيّة كي ينظر المرء من حوله فيدرك حجم المأساة التي يعاني منها الكثيرون، وأنّه قادر، بمبادرةٍ صغيرة جدا من قبله، على زرع الفرح والأمل في عيون من قست عليهم ظروف الحياة وأنهكتهم.

أسرة "مومنة"
لم أجد سوى الكتابة وسيلة لدعم إحدى العائلات اللبنانية، التي تعيش مأساة بالغة، مع أطفالها الثلاث المصابين جميعهم بأمراض مستعصية. وها هو اليأس يدفع اليوم الأهل للتحدّث إلى الاعلام، علّ صوتهم يصل إلى المسؤولين المعنيين، بعدما غلبتهم حال اللامبالاة المُهَيمنة على المجتمع.

تحتاج عائلة مومنة إلى عشرة آلاف دولار لإجراء عملية جراحية في رأس ابنتها البكر هند، البالغة من العمر خمس سنوات، وذلك لأنها تعاني من وجود مياه في رأسها وشلل، وتتطلّب حالتها الدخول كل فترة إلى المستشفى لاستخراج المياه. نتيجة تكرار هذه الحالة، أجري لها جراحة لوضع جهاز لسحب المياه، إلا أن حالتها بعد الجراحة ساءت بسبب نوبات الصرع والتصرفات الغريبة.

هند متروكة لقدرها، أسيرة وجعها منذ الولادة. تمسك وجعها في قلبها وتعضّ يدها باستمرار، تعبيراً عن الألم الذي ينتابها، فهي لا تقوى على البوح به، فضلا عن عجزها عن المشي.

وتشرح ميرنا والدة هند لـ"المدن"، كيف أن "هند تتألم كثيرا، وهي تحتاج فورا إلى عملية جراحية مستعجلة في الرأس، فضلا عن عملية أخرى لرجليها كي تتمكن من السير بشكل طبيعي. فبعد مراجعة الطبيب أكد لنا ضرورة إجراء جراحة ثانية لوضع جهاز آخر يعمل على تصريف المياه في الرأس ومنع حدوث النوبات". وتؤكد ميرنا أن "المستشفيات ترفض استقبال هند لأننا نعجز عن دفع تكلفة العملية حاليا، في وقت يتدهور وضعها الصحي تدريجيا يوما بعد يوم"، مشيرة والدموع في عينيها، إلى "أنني أنام وأستيقظ يوميا، وفكرة احتمال خسارتها لا تفارقني بل تقتلني. وما باليد حيلة". تتابع: "هند لا تستطيع الذهاب إلى المدرسة لأنّها مشلولة. حتى أنّها لم تحصل يوماً على كرسي متحرّك لها بسبب ضيق حالنا".

وجع الأمّ ومعاناة الأطفال
لا تزال عائلة مومنة تصارع الفقر والمرض، والأم التي أتعبها البكاء على أولادها الثلاث، يحار المرء من أين يسرد حكايتها. فإلى هند، هناك نور وعلي. الأخير، ابن الثلاث سنوات ونصف، مصاب بالتليّف الرئوي والتوحّد، ويحتاج إلى عملية زرع رئة تقدّر بخمسين ألف دولار أخرى. كما يحتاج إلى أدوية تفوق الأربعة آلاف دولار شهرياً. أما نور ابنة السنتين، فمصابة بكهرباء القلب والرأس، "غير أنّ حالها تعتبر أسهل مقارنة بحال شقيقيها"، تقول ميرنا. فمشكلتها الصحية أنّ المخرج والمبولة قريبان جداً من بعضهما، ما يُسبّب التهابات بوليّة حادّة. لذلك نضطر إلى إدخالها بين فترة وأخرى إلى المستشفى لتلقي العلاج من الإلتهابات. لا يمكن فعل شيء لها إلى أن تكبر وتتمكّن من تحمّل الجراحة حسب شدّة الإلتهابات ووضع أعضائها".

بحسرة وألم عظيمين، تناشد ميرنا كل الخيّرين وأصحاب الأيادي البيضاء، وكل من لديه أطفال، ويعرف قيمة الأطفال في حياته، أن يرأف بحال أطفالها. "أنا أتوجّع عن هند وعلي ونور، تقول ميرنا، لكن ماذا بإمكاني أن أفعل للتخفيف عنهم؟" لافتة إلى "أنني حاولت حتى أن أعرض أعضائي وقلبي للبيع مقابل تسديد ثمن تكاليف المستشفى لمعالجة أطفالي. فقد أصبحت عاجزة عن تحمّل هذا العذاب الدائم"، كاشفةً "أنني سبق أن تذوّقت لوعة الموت والخسارة عندما توفّي ابني الرابع على باب المستشفى. كان مصاباً بالرشح وضيق في التنفّس، وتوفي بين يديّ لأنني لم أكن أملك ما يكفي من المال لإدخاله المستشفى. لا أريد أن تتكرر الحادثة مرة أخرى. أُفضل الموت على أن أعيش تلك المأساة من جديد".

ميرنا تدرك تماما أن مرض أولادها قابل للعلاج في حال توافر المال. الوقت يداهمها وهي عاجزة عن فعل شيء. لقد استنزفت كل قواها. حاولت جاهدة طلب المساعدة ورفع الصوت، من دون جواب شافٍ حتى الساعة.

اليوم ونحن في زمن الميلاد، لا شك أنّ الواجب الانساني، قبل الديني، يقضي مساعدة المحتاج. فهل من يمد يد العون؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024