الثقافة في زمن الحرب: التجربة السورية

رواند عيسى

السبت 2015/05/09
 
"يقول قائلهم: إنّ سوريا باتت مؤهلة لزراعة البطاطا، وقد تصبح سوريا هي الأولى عالمياً في هذه الثمرة، وغالباً ما كانت البطاطا هي الغذاء الثاني بعد الخبز، والأرخص قبل الثورة غالباً! إنها دولة الإكراه والكراهية و.. "الشبس". وهذا يدفعنا إلى الاستنتاج بأنّ الشهداء سماد جيد للبطاطا، أو أنّ البطاطا لا تنمو إلا بين الخرائب والأنقاض، وهذا يحتاج إلى براءة علمية!". هذا مقطع من نص لأحمد عمر تحت عنوان "أساطير سورية من مزرعة البطاطا"، موثّق بتاريخ 4-5-2015 على موقع "الذاكرة الإبداعية للثورة السورية". 


نص عمر ينشر إلى جانب عناوين كثيرة، مثل "حدث برميلي عابر"، "مدينتي التي لم أعش مأساتها"، وفي خانات أخرى ينشر غرافيتي يجسد عبد الباسط الساروت، إلى جانب رسم لشخصية "سبونج بوب" الكرتونية رافعةً علم الثورة السورية، وطابع العودة إلى حمص. 24 خانة فنيّة، تتنوّع بين رسم وتصوير وموسيقى ومسرح وحتى لافتات وفيديوهات لتظاهرات. موقع "الذاكرة الإبداعية للثورة السورية" قدمته مؤسسته سنا يازجي، المتحدثة الأولى خلال ندوة "الثقافة في زمن الحرب: التجربة السورية"، التي عقدت في مقهى دواوين أمس. يازجي، وهي مصممة غرافيك أطلقت مشاريع ثقافية سابقة كمنشور "يوميات ثقافية" ومبادرة "ألوان" لدعم الأطفال السوريين اللاجئين في لبنان عن طريق الفن، أشارت إلى أن هدف الموقع توثيق كل أشكال التعبير الفكرية والفنية في زمن الثورة، وتجميع حكايات الشعب السوري في تجربته الملحمية، التي من خلالها يعيد إنتاج معانٍ جديدة لوجوده الاجتماعي والسياسي والثقافي. وأضافت أنه وعلى الرغم من أن معظم الأعمال المنشورة على الموقع متاحة في أماكن عديدة على شبكة الإنترنت، إلاّ أن الرجوع إلى هذه الأعمال أمر بالغ الصعوبة، ومن هنا تأتي أهمية هذا الموقع حيث يوثقها في مكان واحد مخصص لها. لا تعتبر يازجي أن الجودة هي معيار للنشر في الموقع، فـ"حالة الكلام الغزير التي انتقل إليها السوريون بعد الصمت الطويل، لا بد أن تخلق أعمالاً عفوية ومبتدئة أو غير محترفة بالمعنى الكلاسيكي".

من بعد يازجي، تحدث زياد ماجد، الذي كان قد أصدر كتاباً بعنوان "سوريا، الثورة اليتيمة". ماجد تحدث عن انكسار حالة الطاعة والضبط التي فرضها النظام السوري طويلاً على الشعب، "الناس فلتوا على بشار الأسد بالسخرية" حسبما عبّر، معتبراً أن هذا النوع من التعبير لم يكن ليوجد لولا الفسحة التي خلقتها الثورة. استشهد ماجد بلافتات كفرنبل الشهيرة، التي وصلت إلى العالمية من "نافذة" صفحة فايسبوكية، ثم بدأت تُكتب بعض اللافتات باللغة الإنكليزية كرسائل موّجهة إلى العالم أجمع، وهي حفزت على نشر لافتات مقابلة من بعض الناشطين الأجانب ترد على لافتات كفرنبل، وتقدم لهم الدعم المعنوي من أجل الاستمرار. خلقت لافتات كفرنبل خط تواصل بين السوريين و"الرأي العام"، مثلها مثل حيطان سراقب التي اشتهرت أيضاً برسائلها. عرض ماجد بعض الصور واللوحات لفنانين وفنانات سوريين، مثل يوسف عبدلكي، محمد عمران، رندة مداح، تمام عزام وغيرهم، وعن كيفية بروز عناصر الحرب والدمار في أعمالهم، مثل براميل الكيماوي، قناع الوجه الذي يحمي من الغاز السام، وحطام الأبينة. لكن ماجد أكد أنه "ما يزال من المبكر القيام بنقد فعّال لفن الثورة السورية".

خُتمت الندوة بمداخلة لمحمد علي الأتاسي، وهو صحافي ومخرج أفلام وثائقية، وقد شبّه انفجار الفن السوري بعد الثورة بإنفجار "طنجرة الضغط". تحدث الأتاسي قليلاً عن مؤسسة "بدايات"، التي تهتم بدعم وانتاج الأفلام القصيرة والوثائقية والفنون البصرية، وتطرّق إلى تجربة مخيم اليرموك، بحيث اُرسلت كاميرات وبعض المعدات إلى المخيم ليقوم أهله بتوثيق ما يحصل. "أهل الكارثة، هم وحدهم من يقدرون على التعبير عن أنفسهم من خلال الفن، حتى لو كانوا مبتدئين، أمّا من يأتي من خارج هول الأحداث، فلن يستطيع إيصال ما يحدث كما هو"، وفقه.

كما دعا المخرجين السوريين أو الشباب إلى توثيق الأحداث في سوريا من خلال الفيلم الوثائقي، وأن لا ينتظروا تمويلاً، بل المباشرة بالتصوير وإنتاج أعمالهم مستعملين ما يتوّفر لهم من إمكانات، ومن ثم التفتيش عن دعم، من أجل "توثيق الأحداث في وقتها". ورغم إيمانه بضرورة عدم توقف إنتاج الفنون رغم كل التعقيدات، عبّر عن خيبة ظنه في قدرة الفن على التغيير أو التأثير الواضح في الأحداث. "توقع الفنان أنه من الممكن أن يضغط على الرأي العام للتحرك من أجل وقف العنف الذي يمارسه النظام، لكن شيئاً لم يحصل، بل تحوّلت سوريا إلى مجرد عنوان في نشرات الأخبار".



ندوة "الثقافة في زمن الحرب: التجربة السورية" هي جزء من "مهرجان ربيع بيروت" الذي أطلقته "مؤسسة سمير قصير"، ويتضمن حوالي 25 نشاطاً بين الثقافة والسياسة والفن، وقد بدأ الأحد الماضي ويستمر إلى 6 حزيران المقبل.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024