"شباب المصرف" وتهم التمويل من حزب الله و"سبعة" والسفارات

فاطمة حيدر

الإثنين 2020/03/02
تبرز "مجموعة شباب المصرف" في الصفوف الأولى في مواجهة ما تعتبره "مافيا المصارف". وهي تتكون من نحو 50 ناشط أساسيين في بيروت، لكن العدد الإجمالي للمجموعة يقارب الـ 130، بسبب صلاتها غير المركزية بناشطين ومتطوعين مساندين في بعض المناطق. 

تأسيس المجموعة
تأسست المجموعة بعد أسبوع من بداية انتفاضة 17 تشرين الأول 2019. عفوياً التقوا، عندما كانوا يتوافدون فردياً ويتجمعون أمام مصرف لبنان، فيرددون شعارات ضد سياساته.
بعد أيام كوّنوا مجموعتهم التي صار لها حساباتها على مواقع التواصل، وتنسّق وتجتمع وتوزع الأدوار. ويجمع أفرادها هدف واحد: القطاع المصرفي أساس الأزمة المالية القائمة، وهو في الوقت عينه بوابة الحل.
تتراوح أعمار ناشطي المجموعة ما بين الـ 20-30 عاماً، غالبيتهم من أبناء الطبقة الفقيرة أو صغار الكسبة. بينهم متضررون من قرارات المصارف أو لديهم حسابات توطين ومحجوز على رواتبهم. أعضاء المجموعة متنوعون في أفكارهم، ومناطقياً وثقافياً، وفي مستواهم التعليمي والاجتماعي، وبينهم متخصصون في الاقتصاد.
بعضهم غير منتمٍ إلى حزب. وآخرون لديهم صلات حزبية، ومقربون من أطراف عديدة. لكنهم يؤكدون أن هدف المجموعة يعلو كل شيء. هدفهم الرئيس هو تغيير النظام الاقتصادي في البلد، لتأسيس اقتصاد منتج غير ريعي، كي نتحرر من سياسة الدين. ويركزون على فشل هندسات مصرف لبنان المالية، وعلى الفساد المالي والهدر، ونشر وعي في صفوف الشعب، يشرح ويؤكد مسؤولية المصارف عن الوضع المالي والاقتصادي القائم.
خطة عملهم تفرضها الظروف والقرارات التعسفية الجديدة للمصارف. فينزلون مباشرة على الأرض للاحتجاج، إضافة إلى اعتصامات منظمة بعناوين عريضة هدفها المصارف. 

غابة المصارف
الناشط في المجموعة أيمن زين الدين (مهندس ميكانيكي) يرى أن "قرارات المصارف التعسفية لا تصدر بمذكرات رسمية، كي لا يكون لدى المودع أي مستند لمحاسبة المصرف. فالفروع تبتكر أعذاراً وأسباباً لكل حالة بمفردها. المهم عدم حصول المودع على ماله". ويضيف، خطة المجموعة تتركز على المواجهة والاعتصام. وهي تتواصل وتنسيق مع المجموعات المعنية بالشأن المصرفي ومصرف لبنان، في بيروت وصور وصيدا وعكار والنبطية وطرابلس وبعلبك وعاليه والهرمل وزحلة وغيرها من المناطق. وتعتمد المجموعة في دعايتها وتحريضها ضد المصارف على نشر فيديوهات تصور الإذلال الذي يتعرض له المودعون. فالتحريض يحفز الناس على المشاركة وينشر الوعي بينهم، حسب زين الدين.

وعن هواجس الناس من أن لبنان قد يسدد ديونه الخارجية من أموال المودعين الصغار، يؤكد أحدهم أن "لا علاقة للديون الخارجية بأموال المودعين. الديون الخارجية من مسؤولية الدولة التي تدفعها عبر مصرف لبنان من خزينة الدولة أو احتياطي المركزي، بينما الودائع موجودة في المصارف التجارية. لكن الخوف على ودائع الناس فمن أنها سُرقت وباتت غير موجودة، ومن أن تعلن المصارف تمنعها عن سدادها. وهذا بعدما حققت أرباحاً خيالية تفوق الـ 100 مليار دولار. وهو رقم خيالي مقارنة بحجم السوق اللبناني. وعدد المصارف اللبنانية مهول مقارنة بعدد سكان البلد ومساحته". 

جريمتان موصوفتان
تذكر المجموعة جريمتين ارتكبتهما المصارف بحق المودعين: الأولى تعود الى عام 1997 حين ثبّت المصرف المركزي سعر صرف الليرة، بواسطة أموال المودعين. ماذا يعني ذلك؟ الصرف الرسمي للدولار مقابل الليرة هو 1515، ولكن قيمة الليرة الشرائية أقل بكثير من سعرها الرسمي. الفرق في السعر كان يدفعه مصرف لبنان لتثبيت سعر الصرف. وذلك من خلال تسليف الدولة المال لضخ السيولة في السوق اللبناني، كلما احتاج الامر. هذه السيولة كان يتم ضخها في السوق من ودائع الناس وليس من خزينة الدولة. ولا وسيلة لاستجلاب الدولارات إلا من ودائع الناس التي تعمل في الخارج. هذه العملية جريمة موصوفة. واستعملت على مدى 23 عاماً وأدت إلى تبخر الودائع. والعنوان العريض للأزمة اليوم هو عدم قدرة لبنان على توفير الدولار لتثبيت سعر الصرف. ولهذا نشهد عدم استقرار سعر الليرة. وسيظل على هذه الحال طالما لا ضخ للعملة الصعبة. 

أما الجريمة الثانية فحديثة، وتكمن في دفع السندات الدولية، وباعتبار أننا وصلنا الى مرحلة الإفلاس غير المعلن. فالدولة أمام خيارين: إما الدفع وإفادة كبار المودعين (هنا نتحدث عن أسماء كبيرة في البلد من رؤساء حكومة ووزراء ونواب وغيرهم، ويمتلكون 24 ألف حساب مصرفي). وذلك بحجة تصنيف لبنان، واستخدام "الخميرة" المتبقية من الدولارات في المصرف المركزي لتأمين حاجات حياتية أساسية تخص المواطنين. 

لكن المطلوب، بحسب المجموعة: " أولاً: إعادة هيكلة الدين لأن الدولة غير قادرة على سداده. فهي لا تملك دولارات ولا تملك مصادر لجلب العملة الصعبة. واللبناني بات لا يثق بالقطاع المصرفي لاستجلاب التحويلات من الخارج. ثانياً: القيام بسياسة haircut الذي يطال كبار المودعين الذين راكموا أرباحاً فاحشة من الفوائد. وثالثاً: تقييد حركة الأموال عبر كابيتال كونترول لضمان عدم تهريب رؤوس الأموال: إضافة إلى صياغة قوانين جديدة لاستعادة الأموال المنهوبة". 

الحوت الكبير
ما هي الصعوبات التي واجهتها المجموعة بوقوفها في وجه المصارف؟ صعوبتان واجهتا المجموعة في انتفاضة 17 تشرين، يقول رامي عيسى (مهندس ميكانيكي): "ضخ شائعات كاذبة عن مصادر تمويلنا. فالبعض اتهمنا أننا مموّلون من حزب الله أو حزب سبعة. آخرون قالوا إننا مموّلون من سفارات. ولهذا السبب لم يحبذ كثيرون المشاركة معنا".
الصعوبة الثانية هي "إقناع الناس بأن إحدى الساحات الأساسية هي أمام مصرف لبنان، والحوت الكبير المتمثل بالمصارف. وهو يتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية. المنتفضون يصوبون البوصلة في اتجاه الأمور السياسية فقط. لذا لم يتجاوب عدد كبير منهم معنا، لأن أولوياته كانت تحقيق مكاسب سياسية، كإسقاط الحكومة والنظام وغيرها. لكننا نجحنا في تعميم الوعي في الندوات، وتبسيط المعلومات الإقتصادية".  

وتحدث رامي عن أهم إنجاز حققته المجموعة: "نشر الوعي. فالوعي مسار تراكمي ويعرّف الناس بحقيقة وضعنا الاقتصادي والنقدي. والسلطة تعمل في إعلامها على طمس هذه الحقائق".

وعن احتمال الإنزلاق إلى العنف، يتحدث ناشطو المجموعة عن أنهم ليسوا سلميين ولا عنفيين. "لكن الظروف على الأرض تتحكم بالتحرك، كما حصل مرة حين استخدمت قوى الأمن أسلوب العنف الوحشي، الذي قابله غضب شعبي وتحطيم واجهات المصارف في الحمراء. فالقمع يقابله استنفار عفوي وغير منظم".

ويجزم أعضاء المجموعة أن المصارف اللبنانية تنال جائزة أوسكار في أساليب احتكار أموال صغار المودعين. والمطلوب الآن أن يتحول الحراك إلى ثورة. وويشهد بعضهم أن "المودعين يبادرون إلى الاتصال بـ"المجموعة" لإجبار مصرف ما على دفع ودائعهم. ولكنهم للأسف لا يكلفون أنفسهم عناء المشاركة في اعتصامات المجموعة".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024