العاصفة "جويس": نعمة المطر والثلج.. ونقمة فساد لبنان

جنى الدهيبي

الخميس 2021/02/18

بعد أن بدا لبنان كأنه يتعرض لتحولات مناخية وحقبة من الجفاف والتصحر، إذ مرّ الخريف وشهرا كانون الأول والثاني من دون تسجيل هطول كبير للأمطار، أو تدنٍ بدرجات الحرارة، جاءت العاصفة "joyce" منتصف شباط، لتعوّض قحط الشهور الفائتة. لكنها أيضاً فضحت مشاكل جسيمة بالبنى التحتية، عند الجبال والسهول والساحل، من الشمال حتى الجنوب، لا سيما أن السلطة بوزاراتها وجهاتها المعنية، عوّدت اللبنانيين على عدم اتخاذ أي اجراءات احترازية تحسبًا للعواصف.  

وما لبثت رياح "جويس" ان انطلقت ليل الثلاثاء، ثم غرقت الطرقات بالوحول وطافت المجاري وعلق المواطنون بمركباتهم. ولم ينته مساء الأربعاء إلا بانقطاع التيار الكهربائي عن كامل الأراضي اللبنانية. فأعلنت مؤسسة "كهرباء لبنان" في بيان، أنه عند حوالى الساعة 16:35، حدثت صدمة على خطوط التوتر العالي، ما أدى بدوره إلى انفصال كافة المجموعات الإنتاجية بالتتالي عن الشبكة الكهربائية.  

وفيما يشهد لبنان عاصفة ثلجية وتدنٍ كبيرٍ بدرجات الحرارة، توقعت دائرة الأرصاد الجوية أن تستمر حتى نهاية الأسبوع. وقد تشكلت السيول الجارفة وتساقطت الثلوج على المرتفعات المتوسطة، وبعض المناطق الساحلية، وقطعت معظم الطرق. وهو ما ضاعف مخاوف كثيرين من وقوع أضرار جسيمة بالأملاك العامة والخاصة، وحتى بمخيمات اللاجئين، نتيجة عدم الجهوزية للعاصفة.

أضرار زراعية  
في عكار، وفيما قُطع عدد كبير من الطرقات الرئيسية، وطافت الأوتوسترادات بالمياه الآسنة، عبّر المزارعون في سهول المحافظة عن خشيتهم على الأراضي الزراعي، بعد أن عانت من جفاف حاد، إلى جانب المعوقات التي تعترضهم على مستوى تأمين البذور والأسمدة التي صارت باهظة الثمن.  

وفي السياق، يشير رئيس بلدية ببنين، كفاح كسار، لـ"المدن"، أن أضرار العاصفة ما زالت محدودة، ويتوقع أن تظهر بالساعات المقبلة، نتيجة جرف التربة من الجبال والتي أغلقت بعض الطرقات، و"التي تحولت بدورها إلى ما يشبه الأنهار، لأن حجم المستوعبات بالأرض غير مؤهلة لاستقبال هذه الكمية من الأمطار".
ويأسف كسار أن يكون البلد غير مجهز للعواصف. ويحمّل السلطة والوزرات المعنية المسؤولية، لأنها لا تمدّ البلديات بإمكانيات واسعة على المستوى اللوجستي والمادي، وفقه، "في ظل غياب دراسات وخطط استراتيجية لمواكبة تحولات المناخ وتداعياته على السهول والجبال". 
ويترحم كسار للموسم الزراعي في عكار، الذي تأثر بانتشار كورونا والأزمة الاقتصادية، لكن "عوامل المناخ والجفاف كانا غير متوقعين، وكمية الأمطار التي تسقط بالعاصفة الحالية تعوّدنا أن تتوزع على مدار شهر. وهو ما سيؤثر سلبًا على السهول والمشاريع الزراعية المهددة بخسائر إضافية".  

من جهته، يلفت رئيس اتحاد بلديات بعلبك، ابراهيم نصار، لـ"المدن"، أن الأضرار ببلداته ما زالت محدودة، ويتوقع أيضًا أن تظهر بعد العاصفة الثلجية، و"أن تتأثر اللوزيات بعد أن زهّرت، نتيجة الصقيع وسماكة الثلوج بالسهول والقرى الجبلية". وقال نصار: "بعض مخيمات اللاجئين السوريين تضررت، لكن سكانها يعملون على تدعيم خيمهم، كما ستنسحب الأضرار على الخيم الزراعية".  

تأثيرات العاصفة  
من جهته، أكد رئيس بلدية مدينة بعلبك، فؤاد بلوق، أن "البلدية اتخذت التدابير اللازمة تحسباً لاشتداد العاصفة، وجهزت الجرافات وورش العمال للتدخل عند الضرورة لفتح الطرق ولرش الملح في حال تشكل الجليد"، داعيا المواطنين المسموح لهم بالتنقل وفتح مؤسساتهم إلى "توخي الحيطة والحذر، واتباع الإرشادات المعمول بها عند هبوب العواصف الثلجية".  

وأكد رئيس اتحاد بلديات جبل الريحان، باسم شرف الدين، أن طريق جبل الريحان - البقاع الغربي قطعت بشكل نهائي نتيجة لتراكم الثلوج، باستثناء السيارات الرباعية الدفع، وطلب من الأهالي الالتزام في منازلهم وعدم الإقتراب من المنطقة لصعوبة التنقل".  

وفي راشيا، أكد رئيس اتحاد بلديات قلعة الاستقلال، فوزي سالم "أن رؤساء بلديات وشرطة الاتحاد، تابعوا اوضاع قراهم لجهة فتح الطرق ومساعدة السيارات العالقة. وهناك تنسيق بين جهاز قائمقامية راشيا ومراكز الدفاع المدني ومراكز قوى الأمن الداخلي في نطاق بلديات الاتحاد".  

وغطى الثلج منطقة الشوف الأعلى، ما تسبب بقطع الطرق ابتداء من ارتفاع 900 متر وما فوق، وشل الحركة بشكل شبه كامل. لا سيما شريط القرى الممتد من نيحا وجباع ومرستي وبعذران وصولا إلى الباروك وعين زحلتا وكفرنبرخ وبتلون. في حين أن طرق دير القمر وبعقلين وبيت الدين يشكل المرور عليها مجازفة.  

وفي جبيل، ألحقت العاصفة أضرارًا في البيوت البلاستيكية والأسلاك الكهربائية التابعة لشركة كهرباء لبنان في عدد من قرى القضاء، وتسببت باقتلاع أشجار مثمرة. وقامت فرق الصيانة التابعة لامتياز كهرباء جبيل وبيبلوس للطاقة المتطورة، بإصلاح الأعطال التي خلفتها العاصفة في بلدة ادة، وعلى الطريق البحرية في عمشيت.  

وفي الضنية، غطت الثلوج جميع المرتفعات الجبلية، والمناطق والبلدات التي يزيد ارتفاعها على 900 متر فوق سطح البحر، من بلدة إيزال غربا إلى بيت حاويك شرقاً، مروراً ببلدات عاصون وسير وبقاعصفرين وبقرصونا ونمرين وقرصيتا وبيت الفقس والسفيرة وكفربنين، وبات متعذرا السير على الطرقات المؤدية إلى هذه البلدات، إلا أمام السيارات المجهزة بسلاسل معدنية وسيارات الدفع الرباعي.  

في صيدا، أدخلت العاصفة صيادي الأسماك في عطلة قسرية، وفق ما أفادت الوكالة الوطنية للإعلام، حيث لازموا منازلهم وامتنعوا عن الصيد، بعدما ثبتوا وثاق شباكهم على رصيف الميناء، فيما شلت حركة الملاحة البحرية بسبب ارتفاع الأمواج. وشهدت المدينة طقساً ماطراً بغزارة مصحوبة بحبات البرد، التي غطت شوارع المدينة وأحياء مخيم عين الحلوة، وسط تدن ملحوظ بدرجات الحرارة، فيما تشكلت السيول على جوانب الطرق. واستنفرت بلدية صيدا فرق الطوارىء لديها تحسباً للعاصفة. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024