التنكيل بطرابلس: استجواب طبيب بتهمة توزيع الطعام!

جنى الدهيبي

الخميس 2021/02/18

لم تنته بعد مفاعيل أحداث طرابلس، التي أدت إلى إحراق مبنى البلدية في 29 كانون الثاني، بعد ليالٍ من المواجهات العنيفة بين مجموعات من المحتجين والقوى الأمنية والجيش.  

ومثلما يشهد محيط المحكمة العسكرية ببيروت على اعتصامات متواصلة يطالب فيها أهالي الموقوفين بالإفراج عن أبنائهم، ما زالت عاصة الشمال تعيش تحت وطأة تداعيات تلك الأحداث، سواء على مستوى انفجار الخلافات بين أعضاء المجلس البلدي ورئيسهم، أو على مستوى استئناف الملاحقات الأمنية.  

طعام في ساحة النور
لكن ما بدا مستهجنًا بطرابلس، كان باستدعاء الناشط المدني وطبيب الأسنان رامي فنج (55 عاماً). وهو رجل أكاديمي يتلاقى ناشطو المدينة وشريحة من أبنائها على محبته واحترامه وتقدير عمله الأهلي.

الطبيب رامي فنج
  

وصباح اليوم الخميس 18 شباط، حضر فنج إلى مخفر التل للاستماع اليه، وسط حشد من الهيئات والفاعليات النقابية وناشطين قامت بمرافقته، وذلك بتهمة "تقديم الطعام للثوار في ساحة النور".  

وقد أطلع فنج "المدن" على مجريات استجوابه. إذ تبين وجود محضر من مفرزة الاستقصاء بحقه، يتهمه أنه في 31 كانون الثاني، عند الساعة 4:30، حضر إلى ساحة النور ووزع الطعام على الناس، وقد التقطوا صورًا له وهو "يقترف" هذا الفعل!  

وللتذكير، فإن هذا التاريخ، هو ما بعد إحراق بلدية طرابلس، أي في اليوم الذي توافدت إلى المدينة مجموعات من بيروت للتضامن مع متظاهري طرابلس. والطبيب كان جوابه واضحًا في المخفر، وقد حضر إلى جانبه رئيس بلدية طرابلس، الدكتور رياض يمق، ونقيبة أطباء الأسنان في طرابلس، رلى ديب خلف، وممثلا نقابة المحامين، محمد صبلوح وشوكت حولا.  

وبيّن فنج أنه دخل إلى الساحة بشكل علني، كم جرت العادة، وحصل على إذن من الجيش الذي كان يطوقها حينها، وقال بالتحقيق "كنت أتمنى لو أن ذلك الاستقصائي الذي صورني سرًا من خلف الشجرة أن يأتي لجانبي لمساعدتي في توزيع الطعام".  

ولفت الطبيب أن تركيز الاستماع إليه كان على مصدر التمويل، و"كأننا جميعًا عملاء سفارات"، وفق تعبيره، بينما "عهدنا على جمع الأموال من أهل الخير والمتبرعين، وكل عملنا موثق بالفواتير".  

مئة صورة
وفنج هو أمين سر المكتب التنفيذي في تجمع "نقابيون أحرار"، الذي أنشأه مهنيون ونشطاء بعد تحركات 17 تشرين الأول 2019. كما برز بمطبخ الثورة في الساحة، ثم أنشأ مطبخ "شباب الخير" في باب التبانة، الذي يضم مجموعة من الطلاب الجامعيين. وأضاف: "أنا أشحد من أجل فقراء مدينتي المحرومة، ولي الشرف، لتأمين الغذاء الساخن، ثلاث مرات بالأسبوع".  

ويوضح أن عمله مع مجموعات مدنية ليس خلال التحركات الشعبية فحسب، وإنما يشمل طرابلس الكبرى، ومختلف الأحياء الشعبية في المدينة. وحين دخل المخفر عمد عسكري إلى تصويره، فسأله "كم مرة صرت مصوّرني؟"، أجابه "أووو شي 100 صورة".  

وأدان الطبيب الاستمرار بشيطنة طرابلس، واعتبر أن ثمة استقواء أمني عليها لأنها الحلقة الأضعف. مشددًا أن الناشطين المدنيين في المدينة يسعون للمحافظة عليها ويرفضون الاعتداء على أملاكها ومعالمها، ويعتبر أن هناك تغاضياً متعمداً عن المخربين الفعليين، مقابل الإجحاف بحق الأبرياء عبر توقيفهم واستجوابهم.  

وعقب الانتهاء من الجلسة، أدلت النقيبة ديب بتصريح قالت فيه: "هذه طريقة جديدة من قبل السلطة لقمع الحريات، ونحن نرفضها، خصوصا أنها تهدف إلى منعنا من تقديم الطعام إلى إخواننا وإلى العائلات المحتاجة".  
وواقع الحال، جاء الاستماع للطبيب بناءً على إشارة المدعي العام، وكأن توزيع الطعام هو "جرم جزائي"! 

المعتقلون 
على مستوى آخر، لم يطوَ بعد ملف التوقيفات بالمحكمة العسكرية في بيروت، على خلفية أحداث طرابلس. وبعد أن جرى استجواب 24 فردًا، (6 من البقاع و18 من طرابلس)، جرى اخلاء سبيل اثنين من البقاع و7من طرابلس، لتكون المحصلة إصدار مذكرات توقيف بحق 15 فردًا، (4 بقاع، 11 طرابلس)، حسب ما أفاد رئيس لجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين في طرابلس، المحامي فهمي كرامي لـ"المدن".  

ولفت فهمي أن الاتهامات الموجهة للموقوفين من قبل النيابة العامة العسكرية، تراوحت بين "محاولة قتل مدنيين وعسكريين، تشكيل عصابة مسلّحة، ومعاملة قوى الأمن بالشدّة، والمشاركة في تظاهرات الشغب، والتخريب، وإضرام النيران بالأملاك العامة".  

ويؤكد فهمي على عمل المحامين لطلب إخلاء سبيل الموقوفين، إذ يعملون على إبطال التحقيقات، لا سيما أنها خالفت نصوص المادة 47 قانون أصول المحاكمات الجزائية، والتي  تعطي الضمانات للموقوفين فور احتجازهم، بالتواصل مع عائلتهم وطلب توكيل محام يحضر معهم التحقيقات، وتسجيلها وتصويرها، إلى جانب الحصول على كشف طبي؛ بينما جميع موقوفي أحداث طرابلس، حُرموا من هذه الحقوق، وفق فهمي، باستثناء 4 من موقوفي البقاع، استعانوا بمحامين خلال التحقيق معهم. 

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024