حريق يلتهم سوق "نهر أبو علي": هل كان مفتعلاً؟

جنى الدهيبي

الأحد 2019/07/14

استيقظت طرابلس الأحد في 14 تموز 2019، على مشهدٍ مروعٍ إثر ما حدث ليلًا، مع اندلاع حريق كبيرٍ وضخم، في منطقة جسر نهر أبو علي، أدى إلى احتراق عددٍ كبيرٍ من المحال والبسطات الموجودة ضمن مشروع سقف النهر الذي انطلق قبل نحو ثلاث سنوات.

جولة "المدن"
المشهد على سقف النهر، يبدو مأساويًا. كأنّ هذا المشروع الذي عكس فشل القائمين عليه منذ تنفيذه، ليعود السؤال حوله "هل هناك بلدٌ يقبل أن يسقف نهرًا؟". لم يُكتب للعاملين فيه، ومعظهم من الطبقات الفقيرة في المدينة، أن يهنأوا به. كلّ ما على هذا السقف الباطوني، الذي يضم نحو 280 عربةً ومحلًا، للألبسةٍ والأحذيةٍ ومستلزماتٍ أخرى، أضرمته النيران وحولته إلى بقايا متفحمة ورماد. 

في جولةٍ تفقدية لـ"المدن"، لم نجد غير أصحاب "الأرزاق"، وهم إمّا يحنون ظهورهم قهرًا، أو يفتشون عمّا بقي من بضائعهم وأغراضهم، وسط ركام أسود للهياكل الحديدية والخشبية المحروقة، من دون أن يجدوا شيئًا.

هذا السقف النهري، الذي يجمع لبنانيين من أصحاب المحال وعمال سوريين، قطع الحريق أرزاق أكثر من نحو 800 عائلة، معظمهم من مناطق طرابلس المحرومة وأحزمة بؤسها، في باب التبانة وجبل محسن والقبة والزاهرية وضهر المغر والحارة البرانية.

يقف محمد دامعًا، وحائرًا بأمره، وهو صاحب ثلاث بسطات للألبسة. نسأله عن خسائره، فيجيب: "ما ضلّ شي، كل شي احترق". في بقعةٍ أخرى، يتجمع عدد من العمال وأصحاب المحال، يتناقشون بصوتٍ عالٍ، بعضهم يصرخ والبعض الآخر يدعو للصبر و"انتظار الفرج". ولدى سؤالهم عن توقعاتهم في شأن أسباب الحريق، إن كان مفتعلًا أو ناتجًا عن ماسٍ كهربائي أو انفجار قارورة غاز مثلًا، يردّ أحدهم: "لا نعرف شيئًا. وحتّى التحقيقات لم تبدأ بعد. ومهما كان السبب نطالب بالتعويض وإلّا مصيرنا ومصير أولادنا سيكون الشارع حتمًا". يتابع صديقه، صاحب بسطةٍ أخرى للأحذية: "نخشى أن يكون قد تسلل أحد في الليل لإشعال الحريق قصدًا، من أجل إلحاق الأذى بنا. كلّ البضائع تحوي النايلون والأقمشة والجلود والأحذية والمواد البلاستيكية. ونحن نطالب بتحقيق سريع وشفاف. ونطالب الهيئة العليا للاغاثة بالتدخل السريع لإسعافنا والتعويض لنا".

العابرون في المحلّة، سواء في سيارتهم أو سيرًا على الأقدام، يقفون لتفقد تبعات الحريق المأسوي، وبعضهم يعبّر عن غضبه أو أسفه أن يكون قدر هذه المنطقة الخراب والدمار على الدوام، من دون أدنى شروط الأمان، ومن دون فعالية السلطات المعنية بحمايتها. بعض سكان المنطقة، تحدثوا عن ليلةٍ مرعبة عاشوها، جراء مشهد الحريق الملتهب، والذي تسبب بحالات اختناق كثيرة. وما ضاعف مشهد الرعب كان صوت انفجارٍ كبير لإحدى السيارات بعد أن طالها الحريق.

رئيس البلدية والأهالي
صباحًا، تفقد رئيس بلدية طرابلس، أحمد قمرالدين، الأضرار التي طالت سوق مشروع سقف النهر عند جسر أبو علي، والتقى أصحاب المحال والأهالي في المناطق المحيطة، واستمع إلى معاناتهم والأضرار التي لحقت بهم. وطلب قمرالدين من الجهات القضائية والأمنية والشرطة البلدية إجراء التحقيقات اللازمة لمعرفة أسباب الحريق، ليصار إلى اتخاذ الإجراء القانوني المناسب. وأجرى اتصالًا بأمين عام الهيئة العليا للاغاثة اللواء محمد خير، طالبا تدخله والعمل على المساعدة في رفع الضرر عن أصحاب البسطات، لاسيما وأن السوق مصدر دخلهم الوحيد لكسب قوتهم اليومي. وكانت سيارات الإطفاء في إتحاد بلديات الفيحاء وبلدية طرابلس والدفاع المدني، عملت على اخماد النيران التي طالت معظم محال السوق مخلفة أضراراً كبيرة.

أوامر رئيس الحكومة
من جهته، أصدر المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة سعد الحريري بيانًا، ذكر فيه أن الرئيس الحريري تابع وقائع هذا الحريق الكبير، وأعطى توجيهاته لكافة أجهزة الدفاع المدني والإطفاء والأجهزة الأمنية وبلدية طرابلس والهيئة العليا للاغاثة، للتحرك الفوري لتحديد الأسباب وحصر الأضرار وتقديم كشوفات في الخسائر التي حلت باصحاب البسطات، و"جلهم من أهلنا أصحاب الدخل المحدود والساعين إلى رزقهم اليومي من السوق". كماأوفد الرئيس الحريري لهذه الغاية الأمين العام للهيئة العليا للاغاثة، اللواء محمد الخير، للوقوف على الكارثة التي حلت بالسوق، واتخاذ الاجراءات السريعة التي تكفل تحديد الخسائر والأضرار، بالتنسيق مع البلدية والجهات المختصة. ولهذه الغاية، كلف اللواء الخير اللجان المختصة لمتابعة موضوع الحريق والكشف على الاضرار التي طالت السوق.

مشكلة إطفائية طرابلس
كذلك، غرّد الرئيس نجيب ميقاتي، على حسابه عبر موقع "تويتر"، قائلًا: "نعبر عن تعاطفنا مع المتضررين من الحريق الذي وقع ليل أمس، في منطقة نهر أبو علي، وأتى أيضاً على عددٍ من البسطات والمحال في المنطقة. وندعو السلطات المختصة، لا سيّما الهيئة العليا للإغاثة إلى الوقوف إلى جانب الأهالي واتخاذ الإجراءات المناسبة لإخراجهم من محنتهم".

وعلّق النائب فيصل كرامي على حادث الحريق، داعيًا إلى "تحقيق شفاف وعاجل وتعويض الناس عن الأضرار التي لحقت بأرزاقهم".

هذا، وقد أثار وليد معن كرامي تعليقًا على الحادث ملف إطفائية طرابلس، متهمًا الجهات المختصة بالاستهتار واللامبالاة، وأشار في بيانٍ له أنه سبق أن دعا إلى إعادة تأهيل فوج الإطفاء في اتحاد بلديات الفيحاء وتزويده بأحدث المعدات والتجهيزات لتأمين السلامة العامة. فـ"ضمن نطاق اتحاد بلديات الفيحاء لا يوجد سوى سيارة إطفاء واحدة عاملة، أما باقي السيارات فقد تم بيعها كخردة". وقال: "لا يمكن لفوج إطفاء اتحاد بلديات الفيحاء تلبية أكثر من نداء واحد في الوقت نفسه. بمعنى آخر، إذا كان هناك حريقين فبإمكان فوج الاطفاء إخماد حريق واحد من اثنين. السؤال البديهي من يتحمل مسؤولية هذا الاهمال الجسيم؟".

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024