طرابلس والشمال: تمزيق صور كل "الزعماء"

جنى الدهيبي

الجمعة 2019/10/18

حدث ما لم يكن متوقعًا في طرابلس، وأدى إلى سقوط خمسة جرحى أحدهم في حالةٍ حرجة. فجأة، تحوّلت ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) إلى حالةٍ من الفوضى والتراشق والتصادم، ودبّ الذعر في نفوس المعتصمين، وهرعوا جميعًا نحو فروع الساحة، نتيجة إطلاق الرصاص من موكب النائب السابق مصباح الأحدب، بعد أن طرده المتظاهرون من الساحة، وهو الذي كان يحاول الانضمام إليهم.

صور الزعماء
المشهد في طرابلس، منذ ساعات الصباح الأولى، لا يشبه أيّ يومٍ آخر. وما حدث ليلًا، من تظاهرات شعبية واحتجاجية بالتوازي مع تظاهرات العاصمة بيروت، بقي وتمدد نهارًا، وأخذ بالتّوسع حتّى يغزو مختلف مناطق المدينة ومداخلها وضواحيها وكذلك الميناء. رجال ونساء وأطفال وشبان، نزلوا إلى الشارع، وبدأت رقعتهم تتوسع، وهم يدعون بعضهم البعض للتوافد صوب ساحة عبد الحميد كرامي. وكحال مختلف المناطق اللبنانية، هي المرة الأولى التي لم ترفع فيها عاصمة الشمال سوى العلم اللبناني. نكّس المعتصمون جميع الأعلام الحزبية، ومزّقوا صور كلّ قياداتهم "السنيّة" من دون تردد، وهتفوا بالفم الملآن: "ثورة ثورة، كلن يعني كلن، يسقط النظام". وتم إحراق صور الحريري عند طريق الميناء في طرابلس.

كلّ مداخل المدينة ومخارجها أغلقت بالإطارات المشتعلة. ومع الساعات المتقدمة من النهار، توسّعت رقعت الاعتصامات، وأصبحت متنقلة، بين كلّ التقاطعات والأحياء، وهي آيلة للتصاعد. بين ساحة عبدالحميد كرامي وفروعها، في البحصاص وعند مستديرة السلامة وطريق البولفار والمئتين، يتنقل المتظاهرون، إمّا سيرًا على الأقدام أو على الدرجات النارية التي غزت شوارع المدينة. توجه المعتصمون برسائل شديدة اللهجة إلى العهد ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكل القيادات السنيّة، ولم يستثنوا أحدًا محملين إياهم مسؤولية مظلوميتهم وحرمانهم.

"أكلونا لحماً ورمونا عظماً"
الوضع الاقتصادي هو العنوان العريض لهذه التظاهرة، التي يؤكد فيها المعتصمون أنّ لا رجوع عن الشارع بعد اليوم، قبل التغيير الجذري في البلد، وإسقاط العهد والسلطة والحكومة. تقول إحدى السيدات لـ"المدن" أنّها تملك محلًا تجاريًا في شارع عزمي مضطرة إلى إغلاقه، وهي نزلت إلى التظاهرة بعد أن وصل الوضع الاقتصادي إلى حدٍّ كارثيّ لا يمكن تحمله. فـ"شارع عزمي تحول إلى شارع أشباح، كل محاله إما مغلقة أو ينتظر أصحابها على الأبواب لاصطياد الزبائن". ورجل آخر يؤكد أنّ هذه هي الفرصة الأخيرة من "أجل الانتفاضة بعد أن أكلونا لحمًا ورمونا عظامًا".

بعد أداء صلاة الجمعة في وسط ساحة عبد الحميد كرامي، التي ضمّت أبناء المدينة من مختلف أطيافهم وطوائفهم، بدأت الجموع بترداد الهتافات الثورية، وصدحت أصوات الأغاني، وغزى حضور الأطفال والشباب الصغار الذين عملوا على قطع الطرقات بالحرائق. في البدء، سعى المعتصمون إلى التوجه إلى سرايا طرابلس لاقتحامها، ثمّ عاد بعض المعتصمين إلى تصحيح مسار التظاهر وعدم التعارك مع الجيش والقوى الأمنية.

اقتحام مكتب النائب
وعلى مقلبٍ آخر، توجه عدد كبير من المعتصمين لتمزيق صور الرئيس سعد الحريري ونجيب ميقاتي وفيصل كرامي، وقد جرى اقتحام مكتب النائب علي درويش في منطقة الأميركان في جبل محسن، كما تجمع عدد من المعتصمين أمام قصر الرئيس ميقاتي في الميناء مطالبين برحيله.

ومنذ الصباح، تشهد طرابلس إقفالًا شبه تام للمؤسسات والمحال التجارية، وحركة السير في شوارع المدينة وجوارها شبه معدومة، في ظل استمرار قطع مسارب مستديرة عبدالحميد كرامي وسط طرابلس والاوتوستراد الدولي بين طرابلس وبيروت في منطقة البحصاص بالسيارات والشاحنات والاطارات المشتعلة. وذلك مقابل انتشار عناصر قوى الأمن الداخلي بشكل كثيف أمام مدخل سراي طرابلس، فيما تنتشر وحدات الجيش اللبناني في ساحات المدينة وعند مفترق الطرق.

وقُطعت الطريق بالإطارات المشتعلة عند إشارة عزمي، وعند طريق الشلفة بين ‎زغرتا وطرابلس، كما قطع طريق البداوي، وطريق راس مسقا بالتراب، وطريق أوتوستراد المنية، وأوتوستراد القلمون لا يزال مقفلًا بالاتجاهين.

وكانت منطقة زغرتا الزاوية قد شهدت اعتصامًا لحوالى 100 شخص في ساحة التلّ، وكان معظمهم من نشطاء المجتمع المدني، وقطعوا الطريق المؤدي إلى إهدن والكورة، ورددوا الشعارات ضدّ السلطة والحكومة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024