"الأونروا" تتهاوى: تداعيات كارثية على فلسطينيي لبنان

أحمد الحاج علي

الجمعة 2020/11/13

انتشرت منذ يومين الدعوة إلى "يومِ غضبِ عارمٍ" (الجمعة 13 تشرين الثاني) في مخيمات لبنان، استنكارا لسياسات الأونروا الأخيرة.

إذا كانت بداية فترة رئاسة دونالد ترامب إعلان الحرب على الأونروا، ففي النهاية المفترضة لحكم إدارته تعلن هذه الوكالة الدولية ما يشبه الاستسلام، من خلال بيان مفاجئ لمفوضها العام فيليب لازاريني، أورد فيه أن هناك عجزاً عن دفع رواتب الموظفين كاملة، والذين يبلغ عددهم 28 ألفاً، وستكتفي الوكالة بإعطائهم جزءاً من هذه الرواتب. قرار يراه معظم الفلسطينيين أنه يدخل في إطار محاولات "التطويع السياسي" أكثر من كونه يعبّر عن عجز مالي حقيقي، ويثيرون الكثير من الأسئلة حول طريقة صدوره وأبعاده.

المخاوف من الوصول إلى هذه النقطة، والتي كان يعبّر عنها مسؤولون في الأونروا منذ شهر تموز من هذا العام، لم تؤخذ على محمل الجد وقتها. فالعجز المعلن هذا العام هو 115 مليون دولار، والرقم الذي تقول الأونروا إنها بحاجة لتأمينه لتسديد الرواتب كاملة هو 70 مليون دولار، حسب بيان المفوض العام، وكِلا الرقمين أقل بكثير من العجز المالي الذي تجاوز 400 مليون دولار عام 2018.

كما أن الأونروا هي مختصر لوكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وكانت في تقاريرها الأولى قبل 70 عاماً، عند بداية عملها، تقدّم أحياناً التشغيل والتوظيف على الإغاثة نفسها، فلم يكن يُتصوّر أن تلجأ إلى هذا الخيار، أو تلمّح له، في ظل ضائقة اقتصادية فلسطينية بالأقاليم الخمسة التي تعمل بها (غزة، الضفة، سورية، الأردن، لبنان)، وحديثها المتواصل خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، عن خلق فرص عمل من خلال مشاريع طرحتها الوكالة الدولية.  

قرار سياسي
لا يمكن تجاهل حقيقة أن التمويل الأميركي للوكالة، حتى نهاية سنة 2017، يمثّل ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار. ثم قررت إدارة الرئيس دونالد ترامب في مطلع سنة 2018 تخفيض الدعم السنوي للوكالة من 365 مليون دولار إلى 125 مليوناً، لم تقدم منها إلا 60 مليوناً فقط. وفي 31 آب 2018 اتخذت إدارة ترامب قرارها بوقف التمويل كلياً عن وكالة الأونروا. ومع ذلك يرى مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين، علي هويدي، أن مبلغ العجز هو قليل نسبياً (115 مليون دولار)، ويمكن لأي دولة أن تدفعه، لو لم يكن هناك قرار سياسي بالضغط لمنع الدفع.

ويشير هويدي في حديث لـ"المدن"، إلى أن "الأزمة الحالية لها علاقة بسوء الإدارة وتقدير الموقف من المفوض العام، إضافة إلى جوانبها السياسية. فالمفوض العام أصدر قراره من دون استشارة اتحادات الموظفين في الأونروا، ولا الدول المضيفة، واكتفى بتبليغ هذا القرار الخطير من دون تروٍ أو قراءة لتداعياته".

واعتبر أن هذا القرار يخلق خصومة بين الأهالي والأونروا "بما يخدم الرؤية الأميركية الإسرائيلية الساعية لمنع التمويل عن الأونروا، لأن هذه الرؤية ستعتبر الخصومة واعتراضات اللاجئين الفلسطينيين دليلاً على أن الأونروا لا تقوم بواجباتها ضمن مناطق عملها".

ويبدي هويدي خشيته من أن يشكل الاقتطاع المالي سابقة يمكن تكرارها في المستقبل، أو تجري مقايضة الرواتب بتقليصات واسعة محتملة. مستغرباً أن لا تلجأ الأونروا إلى خيارات أخرى اعتمدتها سابقاً، ففي نهاية سنة 2019 اقترضت الأونروا 30 مليون دولار من مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) لدفع رواتب الموظفين. وتساءل "لماذا لا تلجأ الأونروا إلى الخيار نفسه، أو خيارات مشابهة؟".

ويلفت مدير عام الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين إلى أن بيان المفوض العام أشار إلى 28 ألف موظف يمكن أن يُقتطع من رواتبهم، مع أن عدد الموظفين على قوائم الأونروا يقارب 32 ألفاً، متسائلاً "هل هذا الفرق بين الرقمين يعني أن هناك موظفين سوف تُستثنى رواتبهم من الاقتطاع، أم أن هناك موظفين سيجري الاستغناء عن خدماتهم، أم ماذا؟".

ويُشدد هويدي على أن القرار سوف يترك تأثيرات كارثية على الوضع الاجتماعي والاقتصادي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، لأن القرار سينعكس على أداء الموظفين، وكذلك على القدرة الشرائية لقسم كبير من اللاجئين.  

فيما اعتبر رئيس اتحاد موظفي الأونروا، أمير مسحال، أن "الأخطر من قضية رواتب الموظفين في "الأونروا" هو القرارات التي ستمرر خلال الفترة المقبلة، وتتمثل بإيقاف التوظيف وتجميد الوظائف، وهو تقليص للخدمات بطريقة غير مباشرة".

خطر التخفيضات
وقد ذكر بيان المفوض العام أن "الأونروا قامت خلال الفترة 2016-2020، بتقليص 500 مليون دولار من ميزانيتها عن طريق تفعيل تدابير للكفاءة وخفض التكاليف. شمل ذلك تخفيض عدد الموظفين، وإيقاف الإصلاحات اللازمة والاستثمارات في البنية التحتية، ورفع عدد الطلبة في الغرف الصفية إلى 50 طالباً وطالبة للمعلم الواحد، وتخفيض المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في وقت اتسم بتزايد الاحتياجات". ويعني ذلك أن مزيداً من التخفيضات سيقود إلى مزيد من الأوضاع الإنسانية البائسة أصلاً بالنسبة لأكثرية اللاجئين الفلسطينيين.

وتقدم الأونروا خدماتها لنحو 5.7 مليون لاجئ فلسطيني مسجلين لديها؛ يعيشون في 58 مخيماً رسمياً للاجئين. وتشتمل خدماتها على التعليم، والرعاية الصحية الأولية، وشبكة الأمان الاجتماعي، والدعم المجتمعي، وتحسين المخيمات وبنيتها التحتية، والإقراض الصغير. وتجدر الإشارة هنا إلى أن 80% من التمويل العام والميزانية في الأونروا مخصصة للرواتب.

وهناك حوالى 525 ألف طالب في مناطق عمل الأونروا الخمس، يتلقون تعليمهم في أكثر من 660 مدرسة، إضافة إلى تسع كليات مهنية. وتذهب 58% من ميزانية الأونروا لبرامج التعليم. بينما يبلغ عدد موظفي هذا القسم أكثر من 22 ألف موظف.

مصير 3000 موظف
أما على صعيد الوضع الفلسطيني في لبنان، فإن الأونروا تقوم بدور رئيسي في عدد من المجالات، إذ تضم مدارس الأونروا الـ65 حوالى 36 ألف طالب. كما تقوم الأونروا بإدارة مركز للتدريب المهني يقدم خدماته لما مجموعه 1,143 طالباً. يُضاف إلى ذلك وجود 28 مركزاً صحياً تديره الأونروا. وهناك ما يزيد عن 3000 موظف في قطاعات الأونروا المختلفة، وفي حال جرى اقتطاع جزء من رواتبهم فإن ذلك سيؤدي إلى كارثة اقتصادية واجتماعية خطيرة في أوساط اللاجئين.

هذه المعطيات والمخاوف دفعت بعدد من الفصائل الفلسطينية إلى إصدار بيانات تحذّر من تطبيق ما جاء في بيان المفوض العام. فدعا بيان للتحالف وكالة الأنروا "إلى مراجعة وتصويب كافة القرارات، خاصة المتعلقة بالتوظيف، ووقف خفض رواتب الموظفين". كما دعا "اتحاد العاملين بوكالة الأونروا في لبنان" إلى اعتصام اليوم الجمعة، أمام مكتب بيروت الإقليمي في الأونروا، والواقع في منطقة بئر حسن. وفي حال تنفيذ القرار، من المتوقع أن تشهد الساحة الفلسطينية في لبنان تحركات واسعة، كما أكد عدد من أقطاب العمل النقابي في الأونروا.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024