مفاجأة غير سارة: معظم أطفال لبنان تعرّضوا لعنف مدرسي

منى حمدان

الخميس 2019/05/16
تلقى نور (9 أعوام) ضربةً على رأسه بكتاب، كسرت سنّيه الأماميين، من معلمته في المدرسة، لأنه طلب الذهاب إلى الحمام. تعرض طالب آخر للضرب من أستاذه على يديه بسلك كهربائي، ما خلّف جرحاً فيهما ظل ينزف ليومين أو ثلاثة. خلال العام الدراسي 2017/2018، كسرت معلمة أنف شربل (10 أعوام) لأنه طلب منها التوقف عن ضرب تلميذ آخر.

هذه ليست حالات استثنائية في المدارس اللبنانية. في سبعينيات القرن الماضي منعت وزارة التربية العقاب البدني في حق التلاميذ، إلا أن الاعتداء على الطلاب جسدياً ولفظياً منتشر في لبنان. هذا ما أكدته منظمة هيومن رايتس ووتش، التي أطلقت تقريراً عن العقاب البدني في المدارس اللبنانية، تحدث فيه باحثو المنظمة الدولية إلى 51 طفلاً، بالإضافة إلى أولياء أمور ومعلمين وناشطين تربويين، حول ما يجري في مدارس البلاد. وحسب التقرير فإن "ما وجدوه يصل إلى مستوى انتهاك حقوق الإنسان".

في تعريف العنف المدرسي
عرّفت لجنة حقوق الطفل، وهي هيئة مراقبة اتفاقية الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل، في تعليقها العام الذي صدر عام 2006، العقوبات البدنية المادية، بأنها كل عقوبة تستخدم فيها القوة الجسدية، يكون الغرض منها إلحاق درجة معينة من الألم أو الأذى، مهما قلت شدّتها. ويشمل معظم أشكال هذه العقوبة ضرب الأطفال باليد، أو باستخدام أدوات أخرى، أو إرغام الأطفال على الجلوس مثلاً في وضعيات غير مريحة لهم، أو أجبارهم على تناول مواد معينة. واعتبرت اللجنة أن العقوبة البدنية عقوبة مهينة في جميع الحالات.

حسب اللجنة، يواجه الأطفال، خصوصاً في المدارس، أشكالاً أخرى من العقوبات غير الجسدية، المهينة والقاسية. وتشمل مثلاً العقوبة التي تقلل من شأن الطفل أو تذلّه، أو تعرضه للسخرية أو تهدده أو تخيفه.

يبدو تعريف العنف المدرسي أو العقوبة البدنية في المدارس أمراً بديهياً للوهلة الأولى. لكن عدداً كبيراً من التلاميذ نفسهم لا يعرفونه ولم يسمعوا به. إذ ذكرت هيومن رايتس ووتش في تقريرها أنه "بدا أن الأطفال يتقبّلون عنف المعلمين ضد التلاميذ كأمرٍ طبيعي".

سياسة حماية الأطفال
"ما بدّي إبني ينضرب" كان عنوان التقرير، الذي أكد أن الأطفال السوريين اللاجئين قد يكونون أكثر عرضةً من غيرهم للانتهاكات، في ظل جو سياسي مشحون بكراهية الأجانب. ووجد أن الأطفال يعانون من العقاب البدني في المدارس، بسبب عدم محاسبة المرتكبين بالدرجة الأولى. أيضاً لا تعالج "سياسة حماية التلميذ في البيئة المدرسية" التي أطلقتها وزارة التربية العام الماضي، المشكلة الأساسية، وهي إفلات معلمي المدارس والمشرفين والمديرين والموظفين، الذين يعتدون على الأطفال بحجة تأديبهم، من العقاب. خصوصاً أن التدابير التأديبية التي تتخذ بحق مرتكبي الإيذاء، حسب وزارة التربية، تشمل التوبيخ، تأخير الترقيات، وخصم الأجور. أي أن عقاب إنهاء الخدمة لا يتخذ بحق مرتكبي العقاب البدني، إنما هذا العقاب يتم فقط لمرتكبي الاعتداء الجنسي.

مشكلة أخرى لم تحلّها "سياسة حماية التلميذ"، هي إخفاء هوية المشتكي. فتتطلب إجراءات الشكاوى تحديد هوية الطفل المتضرر. وبذلك تعرّض الطفل المشتكي للأذى، إذ وثّقت المنظمة في تقريرها حصول عمليات انتقامية في حقه، قد تبدأ من ضربه مجدداً عقاباً له على الشكوى، وتصل إلى حدّ فصله أو طرده من المدرسة. وأشارت إلى أنه ينبغي على وزارة التربية تحسين آليات التشكي، نشر معلومات حول الشكاوى التي تتلقاها الوزارة، نتائج التحقيقات فيها، وطريقة معاقبة الانتهاك، العمل مع منظمات غير حكومية لمتابعة القضية، وضمان حصول جميع الأساتذة على التدريب الكافي.

توصيات حقوقية
وقال الباحث في قسم حقوق الطفل في المنظمة، بيل فان إسفلد، أثناء إطلاق التقرير: "يحتاج الأساتذة إلى التدريب الملائم على تأديب الأطفال من دون استخدام العنف. والأطفال يحتاجون إلى نظام تعليمي يحفظ لهم حقهم بتعليم من دون خوف".

ينبغي إذاً تطبيق الحظر المفروض منذ زمن على العقاب البدني في المدارس، وللمساعدة في ذلك قدّمت المنظمة في تقريرها اقتراحات وتوصيات إلى مجلس النواب اللبناني، وزارة العدل، وزارة التربية والتعليم، والمانحين الدوليين. كما قدمت طرقاً يمكن لوزارة التربية عبرها، إنهاء هذه الانتهاكات.

 لكل طفل وإنسان، مهما بلغ عمره، الحق في أن يعيش في بيئة آمنة خالية من العنف والترهيب. وقد ننتهي من العنف المدرسي، حين يدرك العاملون في الحقل التربوي والتعليمي أن فعل معاقبة الطفل نفسه، في حال ارتكابه في حق شخص بالغ، يعتبر اعتداءً غير قانوني عقابه السجن.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024