"ألبان لبنان" أكبر ملوّثي الليطاني متمتعاً بالحماية السياسية

لوسي بارسخيان

الأحد 2019/10/13

بعد تكليف القاضية المنفردة الجزائية في بعلبك، لميس الحاج دياب، خبيرين للكشف على تجهيزات معالجة الصرف الصحي في معامل "ألبان لبنان"، بعدما ذكر المفوض بالتوقيع عن شركة Liban lait، مارك واكد، أن المعمل أنشأ فعلاً محطة للتكرير، وبدأ تشغيلها تجريبياً، أثناء الجلسة الأخيرة التي خضع لها في 1 تشرين الأول، توجه يوم الخميس الخبيران كمال سليم وطلال درويش إلى المعمل المذكور، برفقة ثلاثة مهندسين من اللجنة الفنية للمصلحة، للاطلاع على الخرائط والإجراءات المتخذة، وفعاليتها في معالجة مخلفات عملية الإنتاج في المعمل. وبالتالي، التخفيف من ضرر هذا المعمل الكبير على نهر الليطاني.

الإجراءات القضائية
هذه الخطوة العملية تأتي بعد 12 يوم على انتهاء المهلة الأخيرة التي كانت قد منحت للشركة حتى 28 أيلول الماضي، للإنتهاء من أعمال التركيب والتشغيل، وبعدما تقدم على أثرها واكد، بواسطة وكيل "ألبان لبنان"، بطلب تمديد آخر لمدة شهرين إضافيين، يتوقع أن تبت به القاضية الحاج دياب في جلسة تعقد في 5 تشرين الثاني المقبل.

في جلسة 1 تشرين الأول جاءالاعتراف الواضح بأن الشركة، كانت ولا تزال، تحوّل صرفها الصناعي إلى نهر الليطاني، الأمر الذي دفع الجهة المدعية، أي المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، بطلب تعويض مالي مباشر عليه، قيمته 400 مليون ليرة، فور الانتهاء من رفع ضرر المعمل. فيما لا تزال الشركة تصارع في مكان آخر، بواسطة مذكرة دفوع شكلية تقدم بها وكيلها حول صفة الجهة المدعية بالأساس، وإثبات فقدانها الحق بهذا التعويض.

ليس هناك شك لدى المصلحة الوطنية لنهر الليطاني بأن شركة "ألبان لبنان" هي من أكبر الملوثين لنهر الليطاني بصرفها الصناعي. وحسب وكيل المصلحة المحامي علي عطايا، فإن كمية الصرف المحولة من ألبان لبنان إلى نهر الليطاني توازي ثلث كمية معامل زحلة وقضائها مجتمعة، وإذا استثنينا من معامل البقاع الأوسط، معملين كبيرين، فإن كمية التلوث الناتج عن ألبان لبنان يوازيها جميعها.

حماية سياسية؟!
ولكن مع أن "جرم" ألبان لبنان، موثق بالصور والأرقام والمستندات، وثابت حتى بإدلاءات واكد مفوضاً عن الشركة خلال جلسة المحاكمة الأخيرة، فإن الشركة تبدو عصية حتى الآن على أي عقاب يمكن أن يطالها، حتى من قبل وزارة الصناعة، التي أصدرت أكثر من لائحة بأسماء شركات أقفلت نهائياً لعدم التزامها المعايير، مع أن كمية التلوث الناتج عن بعض المعامل التي أقفلت، لا يوازي عُشر كمية التلوث الناتج عن ألبان لبنان التي استثنيت من لائحة الوزارة!!

في المقابل، ورغم الصرامة التي تبديها القاضية الحاج دياب في فرض قرارات المحكمة على ألبان لبنان، لجهة إلزامها بتركيب محطة التكرير أولاً، وإخضاعها لنظام المراقبة وأخذ العينات والكشف، التي خضعت لها كل المعامل الملوثة، والتأكد من تحويل شبكات مياه الصرف الصحي والصناعي والزراعي إلى المحطة، والسماح للخبراء بالاطلاع على الخرائط اللازمة بهذا الخصوص، وأخذ العينات وبيان وتحديد النقاط الحالية التي تخرج منها المياه من المصنع باتجاه حفر الترسيب، ثم إلى مجرى نهر الليطاني، مع أخذ تعهد من ممثل الشركة على تسليم الخرائط للخبراء المكلفين من جهتها وللمصلحة الوطنية لنهر الليطاني.. هناك علامات استفهام تطرح حول السبب وراء إطالة المحاكمات من دون إصدار أحكام، والمهل الإضافية التي تُعطى لهذا المعمل دون سواه، والذي يرى مطلعون على مسار القضية، أن القاضية من خلال هذا التأخير تتجنب أي إمكانية لأن يكسر قرارها القضائي، متى تجرأت على إتخاذه، بالحمايات السياسية والاقتصادية الواضحة للمعمل.

سكوت الأحزاب
يقول المطلعون بأن منطق "أكل العنب وليس قتل الناطور" اللافت في التعاطي مع قضية معمل "ألبان لبنان" والتلوث الناتج عنه، مرده إلى النفوذ السياسي والمالي الذي يحمي هذه المؤسسة، التابعة عملياً لإدارة مصرفية ونفوذ سياسي، تجمعه مصلحة مشتركة مع البيئة التي تحضنه. وعليه فإن أي قرار جريء قد يتخذ بحق المعمل، يمكن أن يفجر بوجه الجهة التي اتخذته حركة عمالية احتجاجية، خصوصاً أن المعمل يشغل الكثير من أبناء منطقة بعلبك. وبعلبك ليست زحلة. وإذا كان عمال "معمل ميموزا" نجحوا في خلق أجواء شعبية ضاغطة بوجه المحكمة، وصعبوا مهمتها في اتخاذ القرارات المناسبة، فإن ما يمكن توقعه في بعلبك عند اتخاذ أي قرار بالوقف الفوري للمعمل، هو أكبر بكثير مما حدث في زحلة.

وإلا كيف يُفسر سكوت الأحزاب السياسية لتلك المنطقة التي يطلق المعمل سمومه فيها، عن ارتكابات هذا المعمل، والتعامي عن ملوثاته، وعدم إبدائها ولو اهتمام بسيط بمتابعة قضية المعمل. وهو ما يضعها في موقع متواطئ ضمنياً، مع كل الأطراف الحريصة على تجنب إثارة قضية هذا المعمل والملوثات الناتجة عنه، ربما حفظاً لماء الوجه أولاً مع الجهة التي تشغله.

المماطلة والإذعان
يوم الخميس، عند الثانية عشرة ظهراً، كان موعد توجه الفريق الفني للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني إلى معمل ألبان لبنان برفقة الخبيرين المذكورين، إلا أن إدارة المعمل حاولت مجدداً أن تفرض شروطها في عملية الرقابة البيئية على المعمل، من خلال المماطلة في السماح لفنيي المصلحة بالمشاركة في جولة الاطلاع على تجهيزاتها الجديدة، ولكنها عادت وأذعنت، تحت إصرار المصلحة، وتلويح وكيلها باللجوء إلى القضاء لطلب الإقفال الفوري، على أن يضع الفنيون تقريرهم لدى المصلحة حول ما لاحظوه بالنسبة لهذه التجهيزات، والتي إذا ما ثبتت فعاليتها، ستكون كفيلة برفع جزء كبير من التلوث الصناعي عن نهر الليطاني في هذه المنطقة.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024