المدن - مجتمع
الطلاب السوريون ارتفع عددهم، لكن الجامعة لا تخصص كوتا لأي جنسية، بل تقبل كل طالب متفوق ويفي الشروط. وهدف الجامعة المساهمة في تغيير البلد نحو الأفضل. لا تتدخل الجامعة في موضوع إقامات غير اللبنانيين لدى الأمن العام، لكن طلابها لديهم تسهيلات، وكذلك أساتذتها المتنوعين، والوافدين من أكثر من سبعين بلد.
مع لبنان وبيروت ضد "اللبننة":
اعتبرت الجامعة الأميركية من أهم الجامعات، عربياً وعالمياً. وصرّحت أن أهميتها تكمن في تأثيرها على نحو 400 مليون عربي. هل ما زالت الجامعة على هذه الأهمية في تأثيرها العربي، أم أنها باتت لبنانية محلية.
لا لم تصبح لبنانية. ما زال لها موقعها العربي والدولي. عدد طلابها العرب انخفض، وخصوصاً بعد حرب العام 2006، وافتتاح جامعات مهمة في بلدانهم. على سبيل المثال انخفض عدد الأردنيين كثيراً عما سبق، بعدما كانوا يأتون بعد اللبنانيين في عددهم. لكن ليس من جامعة يأتي طلابها من البلدان العربية كلها تقريباً مثل الجامعة الأميركية في بيروت. وبعد نحو 154 عاماً من عمر الجامعة يستحيل ألا يكون هناك تأثير متبادل بين لبنان والجامعة. والجامعة تضم كل الطيف اللبناني من أفكار وأحزاب ومشارب، وهذا ليس عيباً، بل هو على العكس ثراء وغنى. فالأحزاب تتعايش وتتحاور في الجامعة أفضل بكثير مما في خارجها.
لكن هل تلبننت الجامعة بالمعنى الطائفي والمذهبي الساري في لبنان؟
عندما تصبح الجامعة الأميركية في بيروت تعمل على منوال "ستة وستة مكرر"، سأقفل أبوابها وأعيد مفاتيحها لأصحابها. نحن هنا لتحسين ورفع مستوى البلد، لا لتكريس الفشل القائم.
وإلى أي مدى تستطيع الجامعة أن تكون محصّنة من تأثير الثقافة السياسية والاجتماعية السائدة في لبنان اليوم.
النقاش داخل أسوار الجامعة مستواه جيد، وهو مختلف عن حالته في الساحة اللبنانية. الجامعة تفتخر برفع مستوى الثقافة اللبنانية الأصيلة، وتنبذ السائد. نرفض دخول المحاصصة والفساد والطائفية والمحسوبيات في التوظيف إلى جامعتنا. نريد لها أن تكون متنوعة طلاباً وأساتذة، لكن لا نستقبل إلا الكفوئين.
إلى أي مدى ما زالت صورة بيروت ولبنان جاذبة للطلاب العرب الذين درس أهلهم في الجامعة الأميركية وعاشوا في بيروت الخمسينات الستينات والسبعينات؟
أظن أن بيروت ولبنان ما زالا منفتحين على المحيط والعالم، أكثر من أي مدينة وبلد عربيين آخرين. وعلى الرغم المشاكل السياسية اللبنانية المسيئة للبلد، نحن نحافظ على حرية النقاش والحوار في الجامعة التي تؤثر في التغيير نحو الأفضل، لأنها تحمي حرية التعبير والرأي.
يحكى عن محاولات لأحزاب الممانعة وتلك التي تدور في فلك حزب الله، السيطرة على الجامعة أو وضع موطئ قدم لها فيها، بذريعة حرية الرأي والتعبير. وفي المقابل ثمة ضغوط أميركية عليكم تماشياً مع العقوبات على إيران، وتضعكم في مأزق معين. كيف تواجهون هذه الأمور، وهل توفّقون بينها؟
لا أعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته تشغلهم بعد يقظتهم صباحاً كيفية إدارة الأمور في الجامعة الأميركية في بيروت أو أي جامعة أميركية أخرى. هناك عقوبات وضغوطات مؤثرة. لكننا كنا واضحين مع الحكومة الأميركية: مراقبة الطلاب ومعرفة انتماءاتهم الحزبية لقبولهم في الجامعة، خرق للرسالة التي فتحت الجامعة أبوابها للجميع على أساسها. أما إذا كان حزب الله يريد وضع موطئ قدم له في الجامعة، فهو لم يعلمني بذلك. والحزب يعلم أن هذه الجامعة هي الأفضل والأولى في الشرق الأوسط، ومفتوحة الطلاب جميعاً. ونحن مع الثقافة الأميركية ولا نتبنى السياسة الأميركية. ولا نقوم بغربلة الطلاب واختيارهم وفق انتماءاتهم السياسية. وعندما سألنا الأميركيون إن كنا نقبل طلاباً من حزب الله، كان جوابنا: بالتأكيد. لا يمكن قبول الطلاب ورفضهم على الأساس الانتماءات. والدستور الأميركي يمنع ذلك. نحن لا نحاسب على الانتماءات والنوايا، بل على السلوك والتصرفات. وهكذا استنجدت بالدستور لرفض هذا الأمر.
ألا تواجه الجامعة ضغوطاً من القوى والزعامات السياسية اللبنانية لتوظيف أشخاص من محاسيبها في مناصب مؤثرة؟ وهل لدى الجامعة استراتيجية معينة لمواجهة هذه الضغوط، وخصوصاً أنها جزء من الواقع اللبناني؟
لا، لا تواجه الجامعة ضغوطاً كبرى في هذا المجال. أفهم المذهبية في لبنان. وعندما أتلقى اتصالات لتوظيف أشخاص من هذه الطائفة أو تلك، بحجة نقص الموظفين المنتمين إليها، أرفض هذا الكلام. وجوابي: لن ندخل في هذه اللعبة. لا علم لي بمذاهب الناس، ولا أريد أن أعلم، ولن نسمح بدخول مثل هذه التصنيفات إلى الجامعة. في بداية عهدي توسط لدي شخصان عبر أحد السياسيين، فكان جوابي واضحاً: من يستعين بأي شخص من داخل الجامعة أو خارجها للدخول إليها، يبقى خارجاً. فلا وساطة عندنا. وتوقفت الاتصالات ولم أعد أتلقى مثلها.
العولمة والثقافة المحلية:
الثقافية الأكاديمية السائدة في الجامعة الأميركية، غالباً ما تستجيب لمعايير ثقافية وذهنية دولية أو معولمة تنقصها المسائل والموضوعات والمعضلات المحلية، فكيف تكون الجامعة مؤثرة في محيطها ومنخرطة فيه؟
الجامعة تفكر بمشاكل لبنان والمنطقة. والدراسات التي تضعها مدارها ومجالها لبنان. نضع دراسات حول التاريخ والاقتصاد والاجتماع هي من الأفضل في لبنان. لدينا أساتذة صيتهم عالمي، ويضعون دراسات تهم لبنان، وقد لا تسمع بها الصحافة. لكن بعض السياسيين في الحكم يطلبون من الجامعة وضع دراسات، مدركين أهمية دراساتها. لكن الصحافة مشغولة بالفضائح والأخبار التي تجذب القراء.
كان عصر الجامعة الأميركية الذهبي ما الحرب العالمية الأولى حتى السبعينات على الأرجح.. وجاءت الحرب، فأين هي الجامعة اليوم؟
مستوى الجامعة اليوم وانتاجها العلمي جيد. وهي من أرفع الجامعات في العالم العربي، وتقود الأبحاث على الرغم من قلة الموارد التي نخصصها للأبحاث، خلافاً لبعض الدول التي تضع أضعاف ما نضعه ولا تنتج أكثر منا. لدينا أساتذة بمستوى عالمي، ثلاثة منهم في الفيزياء من ألمع الوجوه في العالم. وهذا ما ينطبق على الكيمياء.
ثمة اتهامات بأن عهدك من أكثر عهود رؤساء الجامعة حصلت فيه مشاكل إدارية، ومع الجسم الأكاديمي. وهناك كلام عن محسوبيات في التوظيف والترقيات ورفع الرواتب، وخصوصاً في المناصب الرفيعة. حتى أن بعض الأساتذة اعترض على معرفة تعيين الدكتور بلال أورفه رئيساً لقسم الدراسات العربية والإسلامية من مقال صحافي نشر قبل أسبوعين من إعلان الجامعة نتيجة قرار لجنتها المكلفة باختيار المرشحين.
هذا كله كذب وافتراء. وما نقلته الصحف عن هذه الأمور لا يستند إلى أي برهان. هل من دليل على توظيف أي شخص عن طريق الواسطة؟ طريقة التوظيف عالمية المعايير. وأعتقد أن المشاكل الأكاديمية والإدارية في عهدي أقل بكثير منها في السنوات العشرين السابقة.
وعن تعيين الدكتور بلال أقول إن بعض الأساتذة يعانون من قلة ثقتهم بأنفسهم ويلجأون إلى تحميل الآخرين المسؤولية، ونعلم اسم الأستاذ الذي أحدث هذه البلبلة. أتت شكوى على طريقة اختيار لجنة تحديد الأشخاص المؤهلين لتعيينهم. لذا أرسلنا لجنة تدقيق داخلية فتحققت من الأمر ولم يظهر أي شيء. ثمة لجنة تختار الأشخاص المناسبين للمناصب، وعميد الكلية يعطي رأيه بقرار اللجنة. طبعاً هذا لا يعني أن اللجان كلها تعمل على نحو لا غبار عليه، وبلا أي خطأ. فهم بشر مثل غيرهم. على سبيل المثال عُيّن عميد كلية الهندسة بناءً على توصيات لجنة عالمية اختارت ألن شحادة من بين خمسة مرشحين أجانب مستواهم عالمي. ورغم ذلك تساءل البعض على هذا التعيين، معتبرين أنني قررته سلفاً. وهذا كذب. أما حالة الدكتور بلال، ليس عيباً تعيينه طالما أن مستواه عالمي. المهم أن لا تعيينات من تحت الطاولة وبناءً على محسوبيات.
هناك من يقول إن رواتب الأساتذة الجدد أعلى من القدامى.
الاعتراضات التي برزت منطقية، لكن طريقة عرضها كانت غير مقبولة. حاولت عميدة كلية الآداب الجديدة ناديا الشيخ استقدام أساتذة جدد من أصحاب الكفاءات العالية، ووضعت معايير جديدة للرواتب مغرية لاستقطاب أساتذة من الخارج وبمستوى عالمي. اعترض البعض معتبرين أنها تريد إدخال أساتذة جدد برواتب أعلى من رواتب القدامى. وما حصل عملياً أنها رفعت رواتب الجميع، وعلى حساب الموظفين في المراكز العليا ومنهم أنا شخصياً.
منح الطلاب المتفوقين:
على أية أسس ومعايير تقدم الجامعة منحاً للمتفوقين؟
أعطي مثالاً السنة الدراسية الحالية: لقد قرر 21 من طلاب المدارس المتميزين من لبنان وسوريا، و 16 من أفغانستان، الانضمام إلى صفوف الأفضل والألمع في جامعتنا، لتلقي تعليمهم الجامعي المجاني فيها وهذا شرف وفرح للجامعة.
وعلى الرغم من أن الطلاب الذين يستفيدون من هذه المنح يختارون بدقة بناءً على أدائهم الأكاديمي المتميّز بشكل استثنائي، وليس بسبب أي حاجة مالية، فإن أغلبيتهم تأتي من المدارس الحكومية والمجتمعات المحرومة.
16 من هؤلاء الطلاب الذين نالوا منحاً دراسية كاملة، سينضمون إلى الجامعة في إطار برنامج منح الاستحقاق لطلاب البكالوريا اللبنانية. وهؤلاء من بين أفضل ثلاثين طالباً في جميع أنحاء لبنان، وحصلوا على أعلى خمس درجات في كل أقسام البكالوريا اللبنانية.
وكان المجلس الوطني للبحوث العلمية في لبنان منح كلّاً من هؤلاء الطلاب منحة قدرها عشرة ملايين ليرة لبنانية في السنة، وخيرهم الالتحاق بأي جامعة، خاصة أو حكومية، في لبنان لاستكمال دراستهم الجامعية. وبناءً على اتفاقية تعاون بين الجامعة الأميركية والمجلس الوطني للبحوث العلمية وقّعت في العام 2006، ستمنح الجامعة أي مبلغ متبق من الرسوم الدراسية للأفضل بين طلاب البكالوريا اللبنانية الذين يختارون الدراسة في الجامعة، إضافة إلى تقديم الإقامة لهم في الجامعة.
وحصل طالبان متفوقان إضافيان على منحة كاملة من الجامعة الأميركية في بيروت لهذا العام الدراسي بعد حصولهما على درجة أعلى من 20/20 في امتحانات البكالوريا الفرنسية في لبنان. أما الطلاب المتميّزون الثلاثة الباقون الذين حصلوا على منح من الجامعة الأميركية، فهم من السوريين الذين حصلوا على القبول والمنح الدراسية الكاملة في بعضٍ من أفضل الجامعات في العالم، ولكنهم اختاروا متابعة تعليمهم في الجامعة الأميركية في بيروت.