مسيرة صامتة في وداع الطفل أحمد الزعبي

منى حمدان

السبت 2019/01/26

كأننا لم نعد نملك سوى الصمت. نواجه به موتنا الرخيص وضآلتنا وعجزنا أمام منظومة سياسية فاسدة، تتقاسم البلاد. وأمام عنصرية هذه المنظومة تجاه اللاجئين، من أي جنسية كانوا، والعمّال الأجانب الفقراء، والفئات المهمّشة، وكل آخر لا يرقى إلى مستوى "العرق اللبناني". هذه كانت نقطة ضعف الطفل أحمد الزعبي. هو لاجئ سوري وفقير، ومن الفئة التي يطلق عليها تسمية "أطفال الشوارع". 

لذلك انطلق ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، مساء الجمعة، في مسيرةٍ صامتة، مشى خلالها المشاركون من أمام فندق البريستول في الحمرا وصولاً إلى مبنى بلدية بيروت، في وسط العاصمة. وحملوا صوراً لأحمد، الذي قتل أثناء مطاردة عناصر من شرطة بلدية بيروت له. "المسيرة الصامتة تعبّر عن الحداد بالنسبة إلينا. نحن نعيش في مدينة تحدث فيها يومياً مآسٍ كثيرة وتمرّ مرور الكرام. لكن مقتل طفل في الرابعة عشر من عمره، نتيجة مطاردة غير متكافئة، أمرٌ يستحق الحداد على الأقل"، يقول هاشم عدنان، أحد منظّمي التحرّك، في حديث للمدن.

انتهاك يومي
مشى المشاركون في المسار المحدد وصولاً إلى وسط بيروت بصمت، لكن تحرّكهم كان يحمل مطالب عدة لتحقيق العدالة، ليست فقط لأحمد، بل لكل لاجئ وطفل تعرّض لانتهاك في هذه المدينة الموبوءة. وذكر عدنان أنه "من ضمن هذه المطالب، تحقيق عادل وشفاف يكشف تفاصيل الحادث ومن هم المسؤولين عن وفاة أحمد، والمتورطين فيه. وتسليم جميع كاميرات المراقبة في المنطقة المحيطة بالحادث، ومحاسبة كل من له يد في مقتل الطفل".

المحامي والناشط الحقوقي نبيل الحلبي، قال لـ"المدن"، أثناء مشاركته في المسيرة، إن "ما حصل مع أحمد قد يحصل مع أي طفل، في ظل عدم تأمين أي حماية أو علاج جذري لهذه الظاهرة، التي اصطلح على تسميتها أطفال الشوارع. وقد طالبنا كحقوقيين مراراً وتكراراً بحل هذه الموضوع ومعالجته بالتنسيق مع جهات دولية مختصة بموضوع الأطفال. الانتهاكات التي يواجهها الأطفال يومياً في الشوارع كثيرة. وجودهم في الشارع نفسه هو انتهاك لطفولتهم وإنسانيتهم، لكن ذلك لا يمنع بعض الأجهزة، التي يفترض أن تحترم حقوق الإنسان أثناء تنفيذ القوانين، نجدها تنتهكهم بشتى الطرق".  

القانون لا يحمي الأطفال
بعد رحيل أحمد اشترك كثيرون في جلده. بعض وسائل الإعلام مثلاً، حين أشارت إليه في أخبارها ومقالاتها بمهنته وليس باسمه. كأن فقره ولجوءه جرّداه من هويته واسمه. ثم "توضيح" بلدية بيروت، المتهم بعض عناصر شرطتها بمطاردة طفل في الشوارع، وتركه ميتاً في منور مبنى سكني لثلاثة أيام، قبل أن تكتشف جثته. البلدية لم تجد نفسها معنيّة في هذه القضية سوى بإصدار توضيح يشوّه سمعة الطفل المقتول. فادّعت أن عناصر الشرطة طاردوه بسبب سرقته صندوق زكاة من موقف سيارات، علماً أن صناديق الزكاة مثبّتة في أماكنها باستخدام جنازير حديدية.

هرب أحمد من الموت في سوريا، ليجده منتظراً هنا. وكأنه كتب على "أطفال درعا" الموت والوجع أينما كان.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024