ماركات أخلاقية.. في الثياب

عصمت فاعور

الأربعاء 2016/12/14
يقدر الإنتاج السنوي من الثياب بمئات مليارات الأطنان، التي تستلزم استخدام كميات هائلة من المواد الكيميائية التي تدخل في تحويل المواد الخام إلى ملبوسات. يعمل في قطاع صناعة الثياب عشرات وربما مئات الملايين من العمال بين الصين، كمبوديا، الهند، باكستان، بنغلادش، فيتنام ومصر وغيرها. وفي السنوات الماضية بدأت هذه الأرقام الهائلة، تدق ناقوس الخطر في عالم الأزياء، إذ بدأ العاملون فيه يعون دورهم في العالم، وسط تزايد الحديث عن الظروف الصحية التي يعمل فيها عمال الأزياء، بالإضافة إلى حجم المخاطر البيئية التي يشكلها هذا القطاع من خلال المواد المستخدمة في صناعة الثياب والمخاطر الكبيرة التي تسببها هذه المواد على البيئة.

في 24 نيسان 2013، قضى أكثر من ألف عامل وأصيب أكثر من ألفين بجروح، أثناء تأديتهم عملهم، بعد انهيار مبنى مصنع "رانا بلازا" في بنغلادش. كان قد سبق الحادث بأشهر، مقتل 112 شخصاً في حريق نشب في معمل لتصنيع الألبسة في البلاد. تحركت إثر الحادثتين منظمة هيومن رايتس ووتش، التي رصدت أحوال العمال في 44 مصنعاً للألبسة، فأكدت المأساة الحاصلة في هذا القطاع، وحجم الاستغلال وظروف العمل غير الصحية والخطيرة. وأشارت المنظمة في تقرير عن الحادثتين إلى أن الشركات الغربية التي كانت تشغّل المعملين المذكورين، لم تدفع حتى الآن ما يتوجب عليها من تعويضات للمصابين وعائلات الضحايا.



بعد تفاقم الجدل حول الحادثتين، أعلنت منظمة ثورة الموضة (Fashion Revolution)، وهي بريطانية المنشأ، تاريخ 24 نيسان من كل عام، يوماً عالمياً للموضة المستدامة، بهدف دعم صناعة جديدة تقدّر الإنسان، البيئة، الإبداع والأرباح بشكل متساو، من أجل خلق مستقبل أكثر استدامة.

الموضة المستدامة هي إذاً موضة تحث المستهلك والمصنّع على الإهتمام بالظروف التي تصنع خلالها ملابسهم، وتحولت اليوم تياراً عالمياً يضج بأسماء ماركات عالمية صديقة للبيئة أصبحت تسمى أحياناً ماركات أخلاقية Ethical Brands وأحياناً أخرى ماركات بديلة. وبدأ عالم الازياء بالتعاون مع منظمات بيئية وعدد من المصممين، إنتاج ثقافة الأزياء الخضراء غير المضرة بالبيئة، وبدأ تداول مفاهيم جديدة كالموضة الخضراء والملابس الايكولوجية، بيو فاشن Bio-Fashion، والتجارة العادلة للأزياء Fair Trade Fashion. انخرط في هذا القطاع مصممون معروفون، كالمصممة الشهيرة ستيلا مكارتني المناصرة لحقوق الحيوان، التي ترفض استخدام الجلود الطبيعية في حقائبها وأحذيتها، وتحرص على استخدام جلود اصطناعية قابلة للتحلل، احتراماً للبيئة والحيوان معاً. ولاحقاً، انضمت إلى هذا الحقل ماركة برادا والمصممة كايتي جونز وفيفيان ويستوود وآخرون.

تعرّف الملابس الايكولوجية أو الموضة الخضراء بالملابس الخالية من المبيدات الكيميائية، الأسمدة، والمواد السامة وتصنع من مواد عضوية، ألياف طبيعية وأصباغ لا تؤذي القشرة الأرضية عند إتلافها، كالقطن العضوي، الخيزران، القنب، الذرة، الصويا، والحرير المسالم وغيرها من المواد الصديقة للبيئة والتي تسمح بإعادة التدوير.


هكذا، نشط تيار مناصر للبيئة في عالم الأزياء، وبرزت منظمات أخذت على عاتقها التوعية وتحفيز التقيد بالمعايير الصديقة للبيئة وظروف العمل خلال صناعة الثياب. وإثر هذه الحركات قامت شركات عالمية محرجةً، بإثبات حسن نيتها تجاه هذه المنظمات من خلال بعض التنازلات، فقدمت H&M مجموعة من الأزياء الفاخرة والمصنوعة من الألياف المعاد تدويرها. وأنتجت زارا مليوني قميص من "القطن المسالم" وقامت شركة ليفايس بعد الحديث المتزايد عن الضرر البيئي الذي يشكله زوم غسيل الجينز، بإطلاق ماركة جينز خفضت فيها نسبة الصباغ وحثت الزبائن على التقليل من غسل الجينز والإمتناع عن إتلافها والتبرع بها عوضاً عن ذلك. رغم هذه اللفتة لاتزال هذه الكميات قليلة جداً أمام مجمل الإنتاج. والأسعار التي بيعت بها تعتبر خيالية بالمقارنة مع أسعار الثياب العادية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024