وليد حسين
وتتابع زعيتر، ثمة خيط رفيع بين مدنيّة الدولة وحريّة المعتقد، لكن في واقع طائفي مثل لبنان، منع المحجّبة من الوصول إلى القضاء يحمل تمييزاً جندرياً، وتمييزاً بين النساء أيضاً. فالرجل لا يوضع في سياق المحظورات المفروضة على المحجّبة، إذ من الممكن أن يكون ملتزماً دينياً ومتزمتّاً أيضاً، ويتولى هذه المناصب. بينما المحجّبة تحرم من الوظيفة بسبب الملبس. ولم توضع معايير للرجل في كيفية التعاطي بطريقة مدنية في حكمه، أو بشكل ديني، تبعاً للمعتقدات التي يؤمن بها. كما أن هذا العرف يميّز بين النساء المسلمات واللواتي يلتزمن بأصول دينية قد لا تظهر في الملبس.
من ناحيتها تشدّد طه، وهي طالبة في كلية حقوق، على أنّ الالتزام الديني لا يؤثر على طبيعة الأحكام الصادرة عن القضاة. وفي حال حصل الأمر، فهو ينطبق على أي امرأة مسيحية ملتزمة دينياً، أو أي رجل من أي ديانة كان. القاضي في النهاية يطبّق القانون اللبناني الموجود، والذي يسري على الجميع. وتتساءل بالقول: "لنفترض أنّ هناك امرأة غير مسلمة متزمّتة ومتطرّفة دينيّاً، وقد تتأثر أحكامها بمعتقداتها الشخصية، فهل يجوز الحكم على المرأة من خلال مظهرها الخارجي؟ هذا الأمر لا يجوز، خصوصاً أنّ القاضي يطبّق القانون الموجود ولا يحكم وفق أهوائه، كما تقول.
تناقض سنّي شيعي
النظرة الدينيّة تختلف بين الشيعة والسنّة. فوفق رئيس المحاكم الشرعية السنيّة، القاضي محمد عساف، المسألة لا تتعلق بكون المرأة محجّبة أم لا. فهناك إجماع لدى الفقهاء بأن لا تتولّى المرأة أي منصب من مناصب الولاية العامة مثل رئاسة الجمهورية أو القضاء أو الحاكم والوالي. فهذه المناصب تشترط الذكورة في تولّيها. لكن في المقابل يمكنها تولي مناصب الولاية الخاصة، مثل نائبة أو وزيرة أو أي منصب آخر، تكون فيه مسؤولة عن الشعب والدولة.
على عكس عسّاف، أكد المفتي الجعفري أحمد طالب علي، وجود اجتهادات فقهية حديثة لدى الشيعة، تسمح للمرأة بدخول سلك القضاء، وأن تصبح قاضية شرعيّة حتى، طالما أنها تمتلك المؤهلات العلمية. فالمعيار هو الكفاءة بعيداً عن جنس الشخص. ليس هذا وحسب، بل في إمكان المرأة لدى الطائفة الشيعية أن تتصدر الاجتهاد الفقهي، وفق طالب. وتأسّف إلى وجود أعراف في لبنان ما زالت تتغلّب على القوانين، مشدداً على ضرورة تطبيق القانون، كونه منصف في هذا الشأن أكثر من الأعراف والعادات الشرقية الموروثة، التي لا أسس لها، وتدحضها الاجتهادات الحديثة.
للشيعة فقههم الخاص حسب الشيخ عساف، أما الفقهاء السنة "فيستدلون بالحديث القائل "ما أفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة". وهذا واضح في الشرع الإسلامي. أما الشيخ طالب فيعتبر أنّ "القرآن ضرب مثلا بحكمة بلقيس، التي كانت أكثر حكمة من الرجال في الحوار الذي دار بينها وبين قيادة جيشها، عندما عرضوا عليها غزو النبي سليمان الحكيم. بمعنى آخر، الحكمة ليست خاضعة لجنس الشخص بل لمن يتحلّى بها. وهذا يسري على موضوع الحكم والقضاء والمواقع القيادية كافة التي تستطيع المرأة تبوؤها".
مدنيّة شكليّة
تعتقد زعيتر إنّ "الدولة في سيرها بهذا العرف تفرض معيار عدم ارتداء الحجاب على النساء، وهو قد يكون معياراً حقيقياً وواقعياً، ويجب أن يطبّق في الدولة المدنية، ويسري على جميع المظاهر الدينية. لكن في لبنان الأمور لا تسير على هذا الأساس. فهناك "تعاطٍ شكليّ مع مدنيّة الدولة في السلك القضائي وفي القوانين العامة. ينظرون إلى القاضية من خلال الملبس، ويتناسون منظومة المحاكم الدينية المفصولة والمستقلة كلياً عن الدولة، على مستوى تطبيق الأحكام والقوانين الخاصة ببعض الطوائف. هذا كي لا نغوص في إشكالية المحاكم الروحية، غير المرتبطة بمحاكم التمييز، التي لا يحقّ لها حتى مراقبة الأحكام الصادرة إلا بشروط ضيقة جداً. ويتناسون أن جميع الوظائف تتقاسمها الطوائف، ويريدون تطبيق هذا المعيار الشكلي في القضاء".