النوادي العلمانية الطلابية: قليل من التواضع بدل المجازفة الحماسية

محمد أبي سمرا

السبت 2021/09/11
عرض اليوم السبت 11 أيلول مؤسسو/ات أو مندبو/ات النوادي العلمانية في جامعات لبنانية عشر -وهم شبان/ات من الطلاب- تجارب تأسيس نواديهم للعمل الطلابي، في مناسبة ما سموه "إعلان طلاب لبنان"، تحت شعار "معركة كسر النظام (السياسي اللبناني) مستمرة". والشعار هذا دوِّن على لافتة وضعت في زاوية مسرح دوار الشمس، قرب مستديرة الطيونة في بيروت، حيث التقى الداعون إلى الإعلان.

أما المستمر -حسب كلماتهم- فهو استئناف انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 والهداية والاقتداء بها على صعيد العمل النقابي الطلابي، بعدما كانت الأجيال الشابة والطلابية اللبنانية قد تصدرت تلك الانتفاضة أو شاركت فيها بقوة لافتة.

محكية حماسية
واللافت، بداية، أن الطلاب/ات العشر تحدثوا فعرضوا وعرضن تجاربهم/ن في تأسيس النوادي، بلهجة محكية لبنانية متوسطة شبه موحدة أو "بيضاء" تقريبًا، ودارجة في بيئاتهم الطلابية، سوى ممثل أو مؤسس النادي العلماني في الجامعة اللبنانية الأميركية الذي تحدث بعربية فصحى. والجميع اهتدى في عرضه بما دوّنه/دونته مسبقًا على أوراق استعانوا بها أثناء كلامهم.

وقد يكون الكلام بهذا الأسلوب (المحكية) من عاديات لغة التواصل اليومي بين الأجيال الشابة والطلابية في الحياة اليومية والشؤون العامة. والأرجح أن لبرامج التوك شو التلفزيونية وتلفزيون الواقع ولوسائل التواصل الاجتماعي دور بارز في إشاعة هذا الأسلوب في الكلام والتعبير.

سوى أن نبرة أحد الطلاب المتحدثين من على منبر مسرح دوار الشمس (علي نجدي، من الجامعة اللبنانية) جاءت خطابية حماسية، فراح يرفع يده وقبضته ويحركهما في الهواء، كأنه يلقي خطابًا في جموع محتشدة في ساحة عامة. وتجاوب معه أو استجاب له الحاضرون/ات في المسرح المقفل (وهم نحو مئتين من الطلاب/ات) بالهتاف والتصفيق، أكثر من سواه من المتكلمين/ات. وهذا أيضًا من آثار اللقاءات والمهرجانات الفنية الشبابية، وسواها من الحلقات الحوارية التلفزيونية الشبابية المباشرة التي ازدهرت وتكاثرت في خضم انتفاضة تشرين.

وقد عرض الجميع تباعًا عرضًا مقتضبًا وحماسيًا قصص تأسيس نواديهم العلمانية في بيئاتهم الجامعية والطلابية (اللبنانية-الحدث، الأميركية-رأس بيروت، اللويزة-في اللويزة، الحكمة-فرن الشباك، القديس يوسف-التباريس، الروح القدس-الكسليك، بيروت العربية-الطريق الجديدة، اللبنانية الأميركية-رأس بيروت، اللبنانية الدولية-المصيطبة). ومعظم النوادي في هذه الجامعات تأسست في خضم 17 تشرين، أو بعدها بقليل، وقلة منها قبلها (الأميركية 2008)، وجميعها توسع نشاطها متأثرة بمناخات الانتفاضة ودعواتها وشعاراتها: الخروج على الولاء لأحزاب السلطة والطوائف وزعمائها.

تمرد وانتصارات ذاتية
والحق أن كلمات المتحدثين دارت كلها على نظرتهم إلى أنفسهم وذواتهم وتجاربهم وأشباههم من الطلاب في دوائرهم، التي يحتكون بها، يسمونها علمانية ومتمردة على الولاءات الحزبية والطائفية. وكأنما هذا التمرد أمر أو حال مفروغ منه ويشمل بيئات واسعة وعريضة من الناس.

وقد يكون مثل هذا التمرد مفهومًا ومطلوبًا، ومصدره اندفاعات غنائية الشباب وتجاربه في انتفاضة تشرين. لكن اللافت فيه دورانه على التجارب الذاتية الخالصة، وخلوصه إلى شعور بالزهو والانتصار، بناء على تكاثر تأسيس النوادي العلمانية الطلابية في الجامعات، وعلى تمكنها من الفوز في انتخابات المجالس الطلابية في جامعات كثيرة. واعتبار المتحدثين/ات أن ذلك الفوز يعكس على نحو مباشر وجلي أحوال بيئات الجماعات اللبنانية (أقله الشبابية والطلابية) في خروجها على الولاءات الحزبية السلطوية وزعاماتها. وهكذا يتردد توعد أحزاب السلطة وأجهزتها الأهلية والجماهيرية، بأن حسابها عسير في الانتخابات النيابية المقبلة.

وفي هذا ضرب من المجازفة الحماسية مصدره تضخيم الذات والنفس والتجارب الذاتية، في خضم تجارب ويوميات 17 تشرين، وأثناء تأسيس النوادي العلمانية. وقد اقتصرت أحاديث المتكلمين/ات على عرض تلك الانتصارات الطالبية، من دون تنبه ولا التفات إلى الأوضاع المزرية والبائسة التي يتخبط بها لبنان كله وجماعاته الأهلية. وعدم مقدرة هذه الجماعات على أدنى تحرك احتجاجي ولو صغير في غمرة هذا الانهيار الاجتماعي والمعيشي والسياسي الشامل غير المسبوق، وفي غمرة فقدان الزعماء السياسيين أي شرعية أخلاقية أو سياسية، سوى استغراقهم في انحطاطهم الكامل والعاري، إلا من عدم قدرة مواليهم على كسر تلك الولاءات المزمنة.

ربما يلزم قليل من التواضع والصبر، والتبصر في تجارب أجيال سابقة، والتقليل من الدوران حول الذات وتجاربها الموضعية -مثل تأسيس نوادي علمانية في الجامعات، والفوز في انتخابات مجالس طلابية فيها، وفي انتخابات نقابية للمهن الحرة- قبل الاستغراق في مديح الذات وانتصاراتها.   

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024