ليست قصة نائب إنها مأساة غدير نواف الموسوي

جنى الدهيبي

الإثنين 2019/07/15

تعيدني قضية غدير نواف الموسوي، إلى شهر شباط من هذا العام، حين كتبتُ مقالة عن المحاكم الدينية في لبنان. حينها، فوجئت يومها باتصال والدها للاستفسار عمّا نُشر. أقول "والدها" بدل "النائب" نواف الموسوي، لأنّنّي أتذكر جيدًا صوته، أسئلته، وطريقة تفاعله في تعقيبه على المقالة، ومن ثمّ استطراده بالحديث عن جزءٍ من معاناة ابنته مع طليقها حسن المقداد.

تذوق الكأس المرّة
كان يتحدث بوصفه "والدًا" محبًا وخائفًا على ابنته فقط. لحظة تأثّره في حديثه عنها، يبدو كأنّه يتجرّد في لاوعيه من انتمائه الحزبي والسياسي، المنضوي في عباءة منظومة دينية، تمسك زمام أمور المحاكم الجعفرية، التي هي في قوانين أحوالها الشخصيّة، سبب مأساة غدير ومعاناتها.

لا يخفي نائب حزب الله، مناصرته لقضية ابنته، التي يعتبرها قضيّة كلّ النساء. لا يستحي ولا يتردد، رغم كلّ الضغوط التي يمكن أن نتصور ممارستها عليه، أن يجاهر أمام الملأ وفي مجلس النواب وخلال اجتماعات اللجان النيابية المخصصة لمناقشة تعديلات قانون حماية المرأة من العنف، جملته الشهيرة: "أنا نائب ومسؤول ولم استطع حماية ابنتي".

نواف الموسوي، الذي عانى من إقصاءٍ ومعاقبةٍ حزبية علّقت نشاطه ومنعته من التصريح، لم يعد خافيًا على أحد مناصرته لقضايا النساء، لا سيما في الشقّ المتعلق بالمحاكم الدينية. لا مجال للشكّ أنّ تحول الموسوي من نائب ملتزمٍ بكلّ السقوف والضوابط  الحزبية والعقائدية الصارمة، إلى نائبٍ قد يكون المسلم الوحيد الذي يتجرأ مع تسعة نواب آخرين أن يوقع على اقتراح تعديل قانون حماية المرأة من العنف. كان دافعه عاطفيًا بالدرجة الأولى. ذاق الموسوي مرّ الكأس، واختبر مع ابنته الشابة حجم الإذلال الذي تعيشه النساء على أبواب المحاكم الدينية، التي يديرها غالبًا قضاةٌ ذكوريون، ومحسبون لطرفٍ ضدّ آخر، لتكون المرأة هي الحلقة الأضعف.

غياب الملاحقة القضائية
حصلت "المدن" على معلومات خاصة حول قضيّة غدير الموسوي، التي نشرت فيديو صوَّرته أثناء ملاحقة طليقها لها، وهي تقود السيارة مع شقيقتها وابنتها في محلة الدامور على الطريق الدولية باتجاه صيدا، قبل أن يقع الإشكال، وتصطحبهم دورية من وحدة القوى السيّارة إلى مخفر الدامور.

تبلغ غدير نواف الموسوي 28 عامًا (1991)، ولديها طفلين من طليقها حسن المقداد. راشد عمره 7 سنوات، وجنى 5 سنوات. قبل عام، وحين احتدمت المشاكل بينها وبين حسن المقداد، لم يقبل تطليقها، فخلعته، ودفع له الموسوي مبلغًا ماليًا حتّى يتركها. اشترط المقداد على ابنة الموسوي أن تتنازل عن حضانة ابنتها، فوافقت للتخلص منه، مقابل موافقته على رؤية ولديّها ليومٍ واحدٍ في الأسبوع. لكنّ، حتّى هذا اليوم، كان يمنعهما عنها. بعدها، تدخل بعض القضاة الذين تعاطفوا معها، واستطاعوا أن يتوصلوا إلى اتفاقٍ على المناصفة لرؤية الطفلين في أيام العطلة، ومع ذلك لم يلتزم طليقها. وكلّما إتخذت قرارًا برؤية طفليّها، يمتنع بالقوّة عن تنفيذه، في ظلّ غياب الملاحقة القضائية والأمنية له.

الرواية الثانية
بعد هذا الإشكال، حاول حسن المقداد انتزاع طفليّه من غدير الموسوي، لكنّها امتنعت محتفظةً بحقّها القانوني، وهي ضمن مهلة عطلة الأيام الثلاثة، لا سيما بعد أن مرّ أكثر من ثلاثة أسابيع منعها فيهم من رؤية طفليها. لكن، ما هي الرواية الثانية لإشكال مخفر الدامور؟

نفى الموسوي رواية اقتحام المخفر وإطلاق النار على المقداد، واعتبرها "كذباً بكذب". فحادث الاوتوستراد الذي كان كفيلًا أن يودي بحياة غدير، وصفته قوى الأمن بـ "الإشكال" فقط، وهو ما يعكس فعليًا مدى أهلية هذه القوى للتعاطي مع قضايا النساء وتسخيفها، لدرجة ذهبت شريحة من الرأي العام للاقتناع بأنّ المعتدي هو الضحية وليس العكس!

وحسب الرواية الثانية التي حصلنا عليها، وصلت غدير إلى مخفر الدامور، مع شقيقتها التي تبلغ 23 عامًا عند العاشرة ليل السبت. بقيت وقتًا طويلًا إلى ما بعد منتصف الليل، وكانت أمام طليقها وهو غير مكبل ولا مقيّد، وإنّما كان يجلس على سجيته ويوجه لها الإهانات أمام القوى الأمنية ويطلق عليها الشتائم، من دون أن يحرك أحد ساكنًا. بعدها، جاء والدها غاضبًا من هذه حال ليأخذها معه، فيما هو ينفي إطلاق النار على المقداد.

الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي
تفيد المعلومات أيضًا أنّ حسن المقداد، وهو ابن محمد توفيق المقداد، الذي يشغل منصب مدير مكتب الوكيل الشرعي للإمام الخامنئي (ما يبرر ربما سبب استقوائه!)، وهو عاطل عن العمل حاليًا، والبعض يحكي عن تعاطيه للحبوب المخدرة، وهو يحرض طفليّه دومًا على والدتهما غدير، لا سيما ابنه راشد، الذي يشكو مع شقيقته بعد الحادثة من وضعٍ نفسي غير سليم على الإطلاق.

بعد هذه الحادثة، نُقلت غدير الموسوي إلى مكانٍ آمنٍ، من دون أن يغفل ذووها أنّ حياتها معرضة للخطر والتهديد من طليقها. وما يُضاعف من عاطفة النائب الموسوي تجاه ابنته في هذه القضية واندفاعه لحمايتها، هو أنّها كانت مع شقيقتها الصغيرة تعانيان من مرض السرطان، وقد تخلصتا منه بعد تلقي العلاج الكامل، من دون أن يراعي طليقها هذا الوضع الصحي الحساس، الذي مرّت به أمّ طفليّه!

العبرة للبقية
اليوم، ليست القضيّة هي في "النائب نواف الموسوي"، وإنّما هي قضية الضحية "غدير الموسوي"، التي تمثلّ نساء كثيرات يُداس عليهن وعلى أطفالهن في المحاكم الدينية، ويتعرضن لخطر الملاحقة والموت من أزواجٍ ورجالٍ يستقوون عليهن بسوء القوانين، من دون أن يدري بهن أحد، ومن دون أن يكون لهن سند.

أمّا أن يكون نواف الموسوي نائباً في حزبٍ سياسي وعقائدي، يتصدّى لمناصرة قضايا النساء وتعديل القوانين التي تؤمن الحماية لهن، فبإمكان ذلك أن يكون نقطة قوّة بدل أن يكون ضعفًا. فنائب بصفات نواف الموسوي، كفيل أن يسبب إحراجًا كبيرًا لحزبه وفي بيئته، وكفيل أيضًا أن ينقل عدوى الحرج إلى بقية الأحزاب والتيارات السنيّة والمسيحية التي تعاني من رهاب سطوة المؤسسات الدينية وحاجتها لها، عساهم يسرعون إلى تعديل قوانين الأحوال الشخصية، وتشريع قوانين لحماية النساء من العنف الأسري ومنع تزويج القاصرات، قبل أن يأتي الدور عليهم، ويتلوعوا على ابنةٍ أو قريبةٍ مثل زميلهم نواف!

فهل حان الوقت أنّ نقول للمحاكم الدينية كُفّي يدك عن حياتنا ومصائرنا؟

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024