صراع المدارس الخاصة والأهالي: الكنيسة تحاصر الوزارة

جنى الدهيبي

الخميس 2020/06/11

رغم أنّ الوقت لم يعد لصالح أحد من أطراف الأسرة التربوية في لبنان، مع اقتراب منتصف شهر حزيران 2020، وانتهاء العام الدراسي الحالي، يبدو أن المواجهة تحتدم بين نقابات وإدرات المدارس الخاصة من جهة، وبين لجان الأهل والطلاب من جهة أخرى، فيما وزارة التربية لا تزال تسعى لالتقاط "العصا" من منتصفها، ويسعى الوزير طارق المجذوب لاجتراح حلٍ وسطي ومناسب بين "المتنازعين".

توجيه "مقدّس"
حتّى الآن، لم تحسم جميع إدارات المدارس موقفها من حسم الأقساط، في وقت تستمر فيه لجان الأهل بحملة "مش دافعين إلّا الحق"، وتطالب بحسومات لا تقلّ عن 40 في المئة من إجمالي كلّ قسط لمدرسي لهذا العام، الذي تصفه بـ"الاستثنائي"، على المستويين الاقتصادي والصحي، اللذين حالا دون حضور الطلاب إلى المدارس شهورًا طويلة. كذلك، امتنع عدد كبير من المدراس الخاصة عن الامتثال لطلب وزارة التربية بتقديم ملاحق عن موازناتها، لهذا العام الدراسي.

التصعيد يوم الأربعاء 10 حزيران، جاء عبر منبر بكركي، وأخذ طابع "التوجيه الديني المقدّس"، بهدف الضغط على الوزارة والأهالي معًا. وقد رأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، في الصرح البطريركي، لقاء ضم اللجنة التنفيذية لمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، واللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية ومكتبي الرئيسات العامات والرؤساء العامين للرهبانيات في لبنان والأمين العام للمدارس الكاثوليكية، وممثلين عن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة في لبنان ونقابة المعلمين ولجان الأهل. وفي ختام الاجتماع، تلا المجتمعون بيانًا دعوا فيه الدولة أن تقوم بمسؤولياتها تجاه قطاع التعليم الخاص، وأكدوا "أن الدولة اللبنانية ملزمة دستورياً، وبموجب اتفاقيات دولية أيضاً، بالسهر على ضمان حرية التعليم وإلزاميته ومجانيته وجودته، لجميع مواطنيها من دون استثناء"، واستنكروا  ما وصفوه "إهمال الدولة المزمن للقطاع التربوي بشقيه العام والخاص".

مساهمة الدولة
أمّا مغزى الاجتماع، فكان بتوجيه انذارٍ اعتبروا فيه "أن القرارات التي لا تراعي خصوصية القطاع التربوي الخاص ولا تحترم وحدة مكوناته هي التي أوصلتنا هذه السنة إلى مأزق إداري وتربوي ولوجستي ومادي. وحكمت على السنة الدراسية المقبلة 2020-2021 بالدخول في المجهول". ولذلك، فـ "الدولة هي المسؤولة الأولى عن تداعيات قراراتها، ولا يجوز أن تقف اليوم موقف الحكم المتفرج على تخبط إدارات المدارس الخاصة".

وقد عادوا وطالبوا بما اعتبروا أنّ وزارة التربية سبق أن تبنته: " تقديم مساهمة مالية عن كل متعلم في المدارس الخاصة غير المجانية خلال هذه السنة الاستثنائية أسوة بما حدث في سنة 1987 - تسديد المنح التعليمية السنوية إلى المدارس الخاصة مباشرة من قبل الصناديق والمؤسسات العامة والخاصة - إعفاء المؤسسات التربوية من رسوم واشتراكات وغرامات متوجبة أو قد تتوجب عليها، للمساهمة في تخفيف عبء القسط المدرسي - تعديل المادة 87 من القانون رقم 144 تاريخ 31/ 7/ 2019 (قانون الموازنة العامة)، المتعلقة بتحديد قيمة مساهمة الحكومة عن كل تلميذ مسجل في المدارس الخاصة المجانية، والإصرار على اعتماد ما ورد في المرسوم 2359 / 71، لجهة تواريخ تسديد المساهمة، على أن تربط قيمة هذه المساهمة بسلسلة الرتب والرواتب وليس بالحد الأدنى للأجور".

وطالب المجتمعون أيضًا "بتشكيل هيئة خاصة لدراسة مشروع قانون البطاقة التربوية لكل المتعلمين في لبنان، وإسراع الدولة في دفع مستحقات المدارس المجانية عن كامل السنوات الخمس الماضية أي منذ 2015 وحتى 2020".

غضب الأهالي
أثار هذا الاجتماع غضب لجان الأهل في مختلف المدارس، لما يعبّر عن مساعٍ للضغط على وزارة التربية، من أجل لجم تحركات الأهالي المطالبين بتخفيض الأقساط. وفور انتهائه، أصدرت اتحادات لجان الأهل في المتن وكسروان الفتوح وجبيل، وهيئة تنسيق اتحادات وتجمعات لجان الأهل في لبنان، بيانًا أكدوا فيه "عدم المشاركة في الاجتماع التربوي المنعقد في بكركي"، وأعلنوا أنهم غير ممثلين فيه، و"بالتالي غير معنيين بكل ما صدر عنه من قرارات"، مستنكرين تهميشهم "الدائم علما أننا نمثل 85% من المدارس الكاثوليكية والخاصة على الأراضي اللبنانية."

وقالت هيئة تنسيق لجان الأهل وأولياء الأمور في بيان آخر: "نرفض ما جاء في هذا الاجتماع لجهة تحويل الأهل إلى مادة للاستعطاء عليها. ونحن أصحاب الحق الأول والأخير لما نمثله من الأهل على امتداد الوطن، وأصحاب شعار "مش دافعين إلا الحق". ولسنا بوارد مضمونه نهائياً. لذلك، نطالب القيمين والغيورين على المدارس الخاصة، اعتماد الشفافية في وضع موازناتها، لتكون واقعية وعلنية ومطابقة للقوانين. وهذه الطريقة الوحيدة إن اعتمدت تؤمن استمراريتها، وضمان بقاء أغلب الطلاب في مقاعدهم، والمعلمين في عملهم". كذلك استنكرت الهيئة ما اعتبرته "تضمين البيان ممثلين للأهل ومنتحلي صفة".

وعلق اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في لبنان على اجتماع بكركي بالقول: "لم يحضر الاتحاد هذا الاجتماع ولم يدع إليه، رغم تمثيله الشريحة الأكبر من لجان الأهل والأهالي على الامتداد الجغرافي للجمهورية اللبنانية، وعليه، فهو غير معني بنتائجه".  وأشار الاتحاد إلى أنه "أمام هذا الواقع لا يسعه سوى أن يعلن رفضه رفضاً قاطعاً سياسة التهميش المتبعة تجاه أهالي التلاميذ في المدارس الخاصة، وحقوقهم المشروعة".

تهرّب المدارس
وحسب المعلومات "المدن"، فإن الوزير المجذوب لم تعجبه الموازنات المقدمة من بعض المدارس، وعددها قليل لا يتعدى 100 مدرسة من أصل نحو 1600 مدرسة خاصة، طلب منها تقديم ملاحق موازناتها. وقد يتجه إلى تعيين خبراء ومدققين بالموازنات لفتح تحقيق بها. وربما لن يظهر أيّ شيء في هذا الملف قبل الأسبوع المقبل. وقدمت لجان الأهل للوزارة يوم الأربعاء، ورقة بلائحة أسماء المدارس التي تتجاوب مع مطالب لجان الأهالي في رفع ملاحقها وتخفيض الأقساط، وهي قليلة، وأخرى تستمر بابتزاز الأهل وتسعى إلى إجبارهم على دفع الاقساط كاملة، وإلا يكون مصير أولادهم الطرد على قاعدة "العلامات مقابل الأقساط". وفي حين تثمّن لجان الأهل موقف الوزير الداعم للأهالي، إلا أنها تخشى من الضغوطات التي تمارسها المدارس الخاصة، بعد لجوئها الأخير إلى المنابر الدينية.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024