وجوه الثورة: كوثر بدوي إبنة صوْر تلوّن ساحة العلم

حسين سعد

الأربعاء 2019/11/06

ليلة السابع عشر من تشرين الأول، انضمت كوثر بدوي عفوياً وتلقائياً إلى المنتفضين هناك عند كورنيش صور الجنوبي (جادة الرئيس نبيه بري)، وعلت صيحاتها إلى جانب المحتشدين.. صيحات نابعة من ألم السنوات الطويلة: "فليسقط النظام"، التي جاءت حينها رداً على وضع رسم ضريبي على مكالمات الواتسآب، ورزمة الضرائب الأخرى.

لم تختبر كوثر (23 عاماً)، والتي تخرجت للتو من إحدى الجامعات الخاصة في صور (إجازة لغة انكليزية)، صرخة الشارع التي طالما راودتها وهي طالبة في القسم الثانوي، وتجذرت في داخلها اثناء دراستها الجامعية.

إطلاق العنان..
قبل خمسة أشهر كتبت ابنة الحارة القديمة في مدينة صور، التي لا تصل الشمس إلى غالبية بيوتها: "كيف بدك ياني عيش ببلد منو بلد – كل ذكرياتي حروب من لما كنت ولد". وكأنها كانت تمهد لخوض هذه التجربة الأعز على قلبها، غير آبهة بنتائج ثورتها على الواقع المرير.

هي واحدة من بين عشرات آلاف الخريجين والخريجات، الذين لم يجدوا فرصة عمل في بلدهم. تشترك في الانتفاضة متنقلة وفاعلة في كل ساحات صور، خصوصاً عند دوار العلم في المدينة، وتشعر أن كل ما يحدث جزء لا يتجزأ منها، إذ ترفد الحراك والاعتصامات بكتابة الهتافات وإطلاق العنان لها عبر مكبرات الصوت، وحتى بعض الأغاني التي كتبت كلماتها على عجل، وصولاً إلى الرسم على وجوه الاطفال المشاركين مع أهاليهم في الحراك الصوري.

تقول كوثر جعفر بدوي، التي وجدت تشجيعاً ودعماً من عائلتها، تماشياً مع رغبتها الكبيرة في الانضمام إلى هذا الانتفاضة: أنا متصالحة مع ذاتي ولا أنتمي إلى أي طرف سياسي. ولكني أؤمن بما أقوم به، فالثورة موجودة في داخلي دائماً، وكنت على الدوام أخوض نقاشات مع زميلاتي وزملائي في المدرسة، ولاحقاً في الجامعة، حول ضرورة عمل أي شيء وعدم السكوت، ورفض كل أشكال الظلم التي تطال اللبنانيين، وخصوصاً الطلاب والخريجين، الذين يصبحون على مفترق طرق بعد إنهاء دراستهم.

"في داخلي وطن"
عملت كوثر بعد تخرجها في "سوبرماركت" ومطعم، لإعالة نفسها والتخفيف عن رب العائلة. وهي اليوم متفرغة بسعادة لخوض هذا المعترك الاجتماعي والانساني الهادف إلى تغيير الواقع. تضيف: "حتى لو كانت الأعداد قليلة مؤخراً في ساحة العلم، بعد فرط عقد من المجموعات الصورية، التي كانت تشارك في الانتفاضة منذ اليوم الأول، فإن ذلك لم يقلل من عزيمتي وعزيمة الآخرين، نحن الذين تجمعنا قضية واحدة تتلخص بإنهاء الفساد وبناء وطن لكل أبنائه".

تقول: في داخلي وطن لا ينتمي لأي طائفة أو مذهب. وعندما كان زملائي يسألونني عن هويتي الطائفية أو المذهبية كنت أغفل عن الجواب. وهذه قناعة أتمسك بها، ومن دونها لا نبني وطناً.

كثيرات مثل كوثر، التي شكلت ظاهرة صورية فريدة، تشابكت أيديها مع شريكات لها في الانتفاضة حين قدمن إلى ساحة دوار العلم من البلدات والقرى المجاورة. واللواتي تمنحنّ الحراك حيويته. وفي هذا كله، اكتشفن أنفسهن، واكتسبنّ الصلابة في الدفاع عن حقوقهن، جنباً إلى جنب مع الشبان، وأثبتن دورهن في التغيير في كل وقت .

العديد من هؤلاء، فضلن الاكتفاء بحضورهن الدائم والمشاركة في الهتافات، وعدم اجراء مقابلات صحافية شخصية، لأن لذلك في صور والجنوب ألف حساب وحساب، فقد يؤدي ذلك مثلاً إلى التأثير على عمل الزوج، أو الحرمان من أي فرصة عمل..

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024