كابوس سنة اللبنانيين المعتمة وصديق الأسى

وليد حسين

السبت 2020/11/28
يضرب ألم في أنحاء جسمي. ألم منعني من النزول عن السرير. أحاول النهوض جاهداً وبلا جدوى. برد قارس يجتاحني، تليه موجة من الحر والتعرّق.

كابوس الليل
هكذا استيقظت عند الساعة الثالثة فجراً على كابوس (عرفت حينها معنى هذه الكلمة) موضوعه انقطاع الدواء تماماً من لبنان. لا أذكر من ذاك المنام - الكابوس سوى فكرة انقطاع الدواء. والألم الذين جعلاني استيقظ من النوم خائفاً. ولم يتبدد خوفي إلا بعد حوالى نصف الساعة.

نظرت إلى طفلي راوي النائم إلى جانبي فاطمأنيت أن الدواء لم ينقطع بعد، وأن ما أصابني مجرد كابوس.

لكن الألم استمر في مفاصلي. شعرت أن مكروهاً ما أصابني. هل اجتاح كورونا جسمي ثانية؟ تساءلت في قرارة نفسي. وحتى لو كان كورونا، لماذا أعجز عن النزول من السرير؟ ولماذا هذا الشعور بالغثيان؟ ولماذا ولماذا... سألت محاولاً العثور على جواب.  

استجمعت ما تبقى من طاقتي ورحت أحاول التقيؤ. لم أنجح. جلست في غرفة الجلوس وشربت كأس ماء. دخنت سيجارة. وعدت إلى النوم مجدداً. استيقظت بعد ساعات كأن شيئا لم يبق من كابوس وبارانويا انقطاع الدواء، الذي نسمع عنه منذ مدة. وبات حديث البلد اليوم رفع الدعم عن الدواء والطحين والمحروقات...والماء؟ من يعلم؟

صديق الأسى
قبل هذا الحلم - الكابوس كنت قد تلقيت صباحاً اتصالاً هاتفياً من جار طفولتي يطلب التوسط له لدى معارفي لشراء كمبيوتر بالتقسيط لأبنته التي تدرس الهندسة في الجامعة اللبنانية.

استفسرت عن مواصفات الجهاز، فتبين أن ثمنه ألف وستمئة دولار. لكن لا تقسيط بعد اليوم.  والمبلغ كله على سعر صرف ثمانية آلاف وخمسمئة ليرة لبنانية. وبعد التفكر بهذا المبلغ تبين أن على صديقي دفع 15 مليون ليرة ثمن الكومبيوتر، كي تنهي ابنته سنتها الثالثة في الهندسة. فهذا الاختصاص في الجامعة بحاجة لمواصفات معينة للجهاز كي تتابع البرامج الهندسية. وكان صديقنا قد سجل ابنته في "اللبنانية"، لأنها جامعة الفقراء وقسطها السنوي لا يتجاوز سبعماية وخمسين ألف ليرة.

شعرت بالأسى على هذا الجار- الصديق الذي لم أعد أعرف ما إذا كان يعمل أو صرف من عمله أسوة بما حصل مع لبنانيين كثر في هذه السنة المعتمة.

وتسألت: ترى هل يعمل؟ وإذا كان يعمل، إلى كم راتب شهر كامل يحتاج لشراء هذا الجهاز اللعين الذي بات أساسياً في اختصاص العمارة في زمن "الديجيتال"؟ وهل يعقل أن يحرم جهاز كمبيوتر أسرته مصروفها الشخصي والمنزلي لعام كامل، بعدما كان يسعه شراءه بالتقسيط في أيام الوفرة؟  

كابوس الواقع
وهل ينقطع الدواء ويصبح ثمن قارورة الغاز مئة ألف ليرة، وثمن صفيحة البنزين مئة وخمسين ألف ليرة؟
هل بات الكمبيوتر سلعة يصعب شراؤها وتنقرض مثل الهواتف وعالم الأونلاين بعد سنتين من هذا القحط اللبناني الذي نعيش؟

هل بتنا كائنات تسعى لتدبير قوتها ودوائها ودواء أطفالها؟ وهل سيبقى من "زبالة" تحتوي فضلات يقتاتها المشردون الجوعى، أم أن زمن فضلات البيوت ولى بدوره؟

أسئلة كثيرة تخاطفتني في نصف ساعة من الهلع والشعور بالغثيان بعد ذاك الكابوس. ولا جواب على أي سؤال من هذه الأسئلة. الشيء الوحيد المؤكد أنني بت أعرف ما معنى كلمة كابوس، التي سمعتها طوال السنوات الفائتة من عمري.

أعود إلى عملي في الخبر عن المصائب اليومية التي نعيشها ونسمع عنها ونكتبها، بانفعال أو بحيادية أو بتكرار ممل، وبلا عاطفة أحياناً، لكثرة تكرارها. فتبين لي أن حوالى نصف طلاب صف الهندسة، حيث تدرس ابنة صديقي، يحتاجون لجهاز كمبيوتر مماثل. وقد تمكن طلاب منهم من شراء أجهزة فعالة ومناسبة منذ سنتين، بينما يعجز الباقون عن شرائه على سعر صرف... عمر اللبنانيين.      

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024