لغز شق العجوز في شحيم: الزلزال ما زال يتحرك

صفاء عيّاد

الأربعاء 2018/09/12

يُردد كبار السن في بلدة شحيم مقولة "شحيم وقع عليها جبل". ولهذه المقولة حكاية لا تزال تتوارث من جيل إلى آخر، منذ العام 1759. ففي هذا العام ضرب زلزال البلدة، وشق جبل روبين، محدثاً ما يسمى بـ"شق العجوز". ثم حصل زلزال آخر في العام 1956، وسّع شق العجوز نحو ثلاثة أمتار.

يقع شق العجوز، الذي يبلغ طوله نحو 25 متراً وعرضه نحو 3 أمتار، في التلة التي تعلو شحيم من جهة الشرق، المسماة تلة روبين أو القلعة. وهو يتسع نحو 25 سم في كل مرة تحدث فيها هزات أرضية. فمنطقة إقليم الخروب تتأثر بالزلازل انطلاقاً من ارتكاز حُدودها على الانخساف الكبير، الواقع في جبل روم قرب جزين، على عمق يراوح بين 14 و15 كلم، والذي يعرف بـ"فالق روم".

يروي سكان البلدة أصل تسمية شق العجوز، كل وفق روايته الخاصة. فأحدهم يقول إنه سُمي بذلك لعجزه عن الوقوع في العام 1759، ولأنه قديم العهد. وآخرون يقولون إنه "شق الأرض وعجز ولم يكمل". والحكاية الشهيرة عن أصل التسمية هي أن "امرأة عجوزاً كانت تجمع الحطب ووقعت فيه، فأخذ عمرها وأصبح عجوزاً". هذه الروايات يحفظها الكبير والصغير في هذه البلدة.


حفرة الشق رُدمت بالتراب وزرعت فيها أشجار ونباتات. وأعاد سكان البلدة بناء منازلهم على الشق، غير ابهين للخطر. ويروي أحد معمري البلدة عبدالكريم الحاج شحادة (91 عاماً) أن "التلة تسمى روبين نسبة لابن النبي يعقوب. فالأقدمون كانوا يبنون مقاماً للنبي روبين في أعلى نقطة من الانهيارات ليقيهم خطرها، وظناً منهم أن النبي سُيبارك أرضهم ويبعد عنها الضرر".

ويسترجع الحاج شحادة حادثة الزلزال الذي عايشه في العام 1956، يومها كان في منزله المحاذي لشق العجوز، عندما دوى صوت انفجار قوي، ترافق مع اهتزاز المنزل، وراح ضوء "اللوكس" المعلق بالسقف يتخبط يميناً ويساراً، والناس بدأوا يهربون إلى الشارع. "لم نكن نعلم أنها هزة أرضية. ثم تلتها هزة أقوى. فأنا وأخواتي تعلقنا بجذع شجرة التوت. والهزات الثلاث التي وقعت ترافقت مع أصوات انفجارات بدا أنها تخرج من شق العجوز واستمرت لمدة نصف ساعة وهدمت أغلبية منازل البلدة وقتلت نحو 40 شخصاً".

يعود الحاج شحادة بذاكرته إلى حين بدأ بناء منزله، وظهرت أجزاء من الشق في منزله، ووجد آلة اصطياد قديمة، كان قد عرف شكلها مما درسه في المدرسة، ولا يزال يحتفظ بها حتى اليوم. وهي حجر شبيه بشكل الفأس ورأسه حاد، كان يعلق به خيطاً أو خشبة لرميها على الحيوانات لاصطيادها، من أجل تأمين الطعام.


الجولة التي تبدأ من تلة القلعة وصولاً إلى مكان مقام النبي روبين، تظهر الخسفات والانشقاقات في الطريق وفي المنازل التي دخلنا إليها. ووفق عضو بلدية شحيم غازي عيسى، كل عام تتقدم بعض المنازل الواقعة في منطقة خط شق العجوز بضعة سنتمترات، ويطلق عليها السكان اسم "الزيّاحة".

يتعايش سكان شحيم مع شق العجوز، رغم الخطر الذي يتهدد حياتهم في حال وقوع زلزال مدمر. وهم يفرحون بتناقل الروايات عن هذا الشق. ويشير عيسى إلى أن المرة الأخيرة التي سُمع صوت انفجار ناجم عن الشق كانت في العام 2014، اثر حصول هزات أرضية ضربت لبنان، لاسيما منطقتي إقليم الخروب وإقليم التفاح. حتى أن البعض شاهد انبعاثات دخانية من الشق. يأسف عيسى لعدم تحويل هذا الشق إلى معلمٍ شاهدٍ على كارثة الزلازل التي ضربت المنطقة، فمعظم الأراضي هي ملك خاص، ولا يمكن للبلدية أن تجري فيها أي شكل من الأعمال.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024